ولو سرت اليوم في شوارع أي مدينة كدمشق مثلا فسوف تطالعك أعداد من الشباب يقضون ساعات في الشوارع أو في المقاهي على شكل مجموعات صغيرة اوثنائيات لمجرد ال (الصحبة) فقط مع اختلاف نسبة الازدحام حسب حالة الطقس والجو المريح.
يهربون من البيت
أبناء يجدون في طقوس الزيارات العائلية، واجبات الزامية معقدة ومملة، ولا يفضلون مناقشة أمورهم مع الأهل ويجدون الجو المناسب للأحاديث مع الأصدقاء والخروج للمشاوير والتسكع في الاسواق والمقاهي كملاذ ينشدون فيه حريتهم.
وعن تفضيل الخروج مع الأصدقاء على الأهل تقول ثراء محمد: أنا دائماً أخرج مع أصدقائي لأنها فرصة للتواصل معهم وخصوصاً بعد تخرجي من الجامعة، وانقطاعي عنهم، بالإضافة إلى أنني لا استطيع فتح قلبي للأهل بكل ما يخالجني.
للتسكع أصول وقواعد
من الطريف انه اصبح للتسكع أصول وقواعد، وإن كان الهدف النهائي لا شيء سوى التسلية وهي قواعد يعرفها المتسكعون كما يشرحها لنا عمار 17 سنة وأهمها عدم تحديد خط سير معين، طبعا تختلف الاذواق في الشوارع التي نسلكها أو المدارس والمقاهي التي نذهب اليها، فهناك مثلا أرصفة تعتبر الأفضل للسير والتجمع ويضيف يجب اختيار المدارس المشهورة بفتياتها الجميلات ليكون نهاية دوام المدارس فسحة لي للتسكع و(تلطيش البنات) وخاصة إنني أعمل في سوبر ماركت قريب من المدرسة ويكون وقت استراحتي، وأما القاعدة التي أحبها دائماً في تسكعي مع أصدقائي هي الاستماع للأغاني الموجودة على موبايلي بصوت مرتفع قليلا مع امكانية شراء (أوقية بزر عشاق) لإضافة حركة أكبر للمشوار.
نكهة خاصة
اقتربت من بعض المتسكعين في حديقة مشروع دمر وكان الجو بارداً وسالتهم لماذا التسكع في الحدائق والشوارع وهناك نواد وكافيتريات يمكن الجلوس فيها؟
فردوا على سؤالي بسؤال: لماذا تضخمون الالفاظ وتكبرون المواضيع وتسمون التنزه تسكعاً؟ نحن نهرب من الملل ونقتل وقت الفراغ حتى لا يقتلنا! ويلتقط شاب آخر اطراف الحديث ويتحدث بشيء من الصراحة قائلاً: التجول أو ما يسمى التسكع له طعم خاص، ونكهة تختلف عن الكافيتريات والاماكن المغلقة على الرغم من برودة الطقس لكن يمكننا المشي معا 10 كيلو مترات دون أن نشعر بالوقت ونحس بالتعب.
من المسؤول؟
وقد يعتقد البعض أننا نبالغ كثيرا بنتائج التسكع، وأننا نضعها في قالب أكبر من حجمها، وقد يكون ذلك صحيحا، ولكن في ظل وجود ضوابط تلجم تصرفات الشباب التي يفضل البعض تسميتها «طائشة» و«غير مقصودة» نظراً لسنوات عمرهم الصغيرة، وهنا يأتي السؤال: من المسؤول عن بروز هذه الظاهرة، الصيف والإجازات وما فيها من فراغ، أم الشباب أنفسهم، أم المجتمع أم العائلة؟
وقت فراغ طويل.. يرجع الشاب محمد لطفي طالب جامعي أصل هذه الظاهرة إلى وقت الفراغ الطويل لدى الشباب وما يصاحبه من ملل إلى جانب عدم وجود مراكز متخصصة للشباب تعمل على تاهيلهم للاستفادة من وقتهم.
وأشار مهند 20 سنة إلى أن المشكلة تكمن في عدم وجود اماكن خاصة للشباب وإن وجدت فهي تفتقر إلى البرامج النوعية وهو ما يجبر الشاب على اضاعة وقته في مراكز التسوق والتسكع في الشوارع والمقاهي وجلسات الاركيلة والدخان بالنسبة للفتيان وتقضي الفتيات أوقاتهن بالنوم أو الجلوس أمام التلفاز.
ويردف بقوله: "لقد حان الوقت لكي تبدأ الشركات والمؤسسات التفكير بشكل جاد في رغبات الشباب وأن تعمل على تلبيتها واستغلال قدراتهم في الندوات والأعمال التطوعية التي تمكن الشاب من استغلال وقته باكتساب خبره علمية وتحويله إلى فرد منتج وليس مستهلكاً.
تحايل على الواقع
وعن سبب ظاهرة التسكع تقول المرشدة الاجتماعية رنا جبور في مديرية التربية:
إن التحايل على الواقع هو الدافع للتسكع، فغلاء الأسعار، تدفع بالناس للبحث عن كل ما هو رخيص، وخاصة بعد أن تحولت الأرصفة إلى (سوبر ماركت) ضخمة تضم كل البضائع على اختلاف أنواعها، ولكل بضاعة مكان خاص بها والشعار الدائم هو أرخص الأسعار.
ومن هنا قد يكون التسكع في الشوارع للبحث عن المناسب من البضائع، ربما لا يفكرون في شرائها إلا عند رؤيتها، وبما أن الفتيات هن الأكثر بحثاً وتنقيباً عن احتياجاتهن التي لا تنتهي، تجدهن الأكثر تسكعاً أمام المحال، أحياناً بلا هدف محدد، ولكن للبحث عن شيء ما..
أما الشباب فلديهم طاقة زائدة لابد من تفريغها في المشي، ونظراً لعدم انتشار النوادي والساحات وارتفاع أسعار الاشتراكات فيها فلا يجدون للشوارع بديلاً.
وتضيف رنا: بالطبع هذا لا يمنع أن هناك متسكعين ومتسكعات يهيمون في كل مكان بلا هدف،، سواء بالنظر إلى مشاهد الشارع المتتابعة أم العامرة بالبضاعة أم حتى على ملامح الوجوه وفي المقابل، فإن التسكع قد يفيد جسدياً ونفسياً لأنه يساعد على تفريغ الطاقة البشرية الزائدة.