إذا وكما يبدو فإن التقرير يناقض نفسه بنفسه، ففي الشق الفني المتعلق بعمل مفتشي الوكالة الدولية أكد التقرير سلمية البرنامج النووي الإيراني لناحية المواد النووية المستخدمة، لكنه في الشق المعلوماتي تحدث عن مخاوف محتملة لبرنامج عسكري مثير للقلق، وهذا يؤكد اعتماد الوكالة على معلومات استخباراتية تخدم جهات بعينها ولا شك أن هذه المعلومات المضللة مستقاة إما من الـ سي آي إيه وعملائها أو من جهاز الموساد الإسرائيلي، فكلاهما ينفذا أجندة واضحة لعرقلة وتعطيل البرنامج النووي الإيراني وأي برنامج نووي آخر لدول المنطقة لتبقى إسرائيل(ديمقراطية الاحتلال والإرهاب الوحيدة في المنطقة) تحتكر الطاقة النووية السلمية والعسكرية وتفرض شروطها بفعل الإرهاب النووي الذي تمارسه.
تقرير الوكالة الذي جاء إيجابيا في أحد جوانبه وسلبيا لا يخلو من التسييس في جانب آخر يعيدنا بالذاكرة إلى حملة التضليل التي مورست قبل غزو العراق عام 2003 والتي تذرعت بأسلحة دمار شامل مزعومة في العراق لكي تبرر غزوه وتدميره، ومن غير المستبعد أن تكون (المعلومات) التي حصلت عليها الوكالة هي مقدمة لتبرير فرض حزمة عقوبات جديدة ضد إيران، وقد تكرر هذا السيناريو مرات عديدة في السنوات الماضية.
وفي مطلق الأحوال فإن القلق الذي تحدث عنه التقرير من احتمالات البعد العسكري لبرنامج إيران النووي هو قلق في غير مكانه، وكان الأحرى بالوكالة أن تتجه بقلقها ومخاوفها إلى برنامج وترسانة إسرائيل النووية التي لا تحتاج إلى دليل إضافي لتأكيد الأبعاد العسكرية العدوانية التي تستهدف دول المنطقة بأكثر من مئتي رأس نووي مع وسائل إيصالها إلى أهدافها، وأن تتخلص الوكالة من محاولات تسييسها، وتقوم بالمهمة الملقاة على عاتقها ألا وهي مساعدة الدول الموقعة على معاهدة من الانتشار النووي في الحصول على الطاقة النووية للأغراض المدنية والسلمية.