نلتقي مع بعض الأسر التي هدّها الرحيل بعيداً عن ديارها والتي أجبرها الإرهاب على حزم أمتعتها بحثاً عن أمان أطاحت به أعمالهم الإرهابية فنتعرّف من خلالهم على أنفسنا أكثر وعلى معاناتهم عن قرب أكثر..
أسرة بالكامل هربت من جحيم الإرهاب في خان الشيح تسابق أفرادها للحديث عن همجية «الثوّار» وعن وحشيتهم وكيف قتلوا قسماً من أفراد العائلة تحت أنظارهم وكيف صوّروا للبقية أنّهم سيُذبحون في أي مكان يذهبون إليه!
وبعد أن هدأت نفوسهم قليلاً سألناهم فقالوا: كذب المنافقون، فالسوريون عائلة كبيرة واحدة، ونحن هنا بين أهلنا وناسنا، جئنا بما علينا من ملابس ولا ينقصنا الآن أي شيء...
لسنا مجتمعاً مثالياً بالمطلق لكننا أثبتنا للعالم بأسره أننا الأكثر قرباً من بعضنا البعض والأكثر حرصاً على بعضنا البعض رغم بعض الشواذ الموجود هنا وهناك، صحيح أنه يوجد بعض المستغلين وصحيح أيضاً أن بعض الأسر اضطرت لاستئجار الشقة بأكثر من /15/ ألف ليرة بالشهر لكن الأصح هو أن القسم الغالب من الذين هُجّروا من منازلهم وقصدوا مناطق سورية أخرى وجدوا كل تكريم وكل موّدة من أشقائهم السوريين ومن الجهات الرسمية والفعاليات المجتمعية والمدنية..
هناك جهات نذرت إمكانياتها بالطاقة القصوى لبثّ عكس هذه الصورة الجميلة للسوريين في توادّهم وتراحمهم وإبراز ما يعتقدون أنه موجود من الحقد المتبادل طائفياً وجغرافياً لكنهم ومنذ اللحظة الأولى جرّوا أذيال الخيبة ومع هذا استمروا منافقين في زعمهم لعلهم يجدون من يصغي إليهم..
أكثر ما يتعبنا كسوريين هو ارتضاء البعض منّا أن يحمل صفة «لاجئ» وقلب سورية يتسع لا للسوريين وحسب بل ولكل مواطن عربي شقيق وحتى أجنبي صديق وقد خبرتنا السنون السابقة والذاكرة لم تشطب ما فيها من مواقف عزّ وكبرياء للسوريين، فهل جرّبتم أيها الأشقاء أن تقصدوا ديارنا قبل أن تُنصب لكم مخيمات اللجوء على ما فيها من إذلال ولا مبالاة وتعمّد الإساءة؟
ألم نكن دائماً نفرش سجادة عيشنا المشترك ومحبتنا الكبيرة سجادة صلاة ويكون الوطن هو قبلتنا ونجوى دعائنا؟
عودوا إلى دياركم وإن لم يدخلها الأمان حتى الآن فقلوبنا تتسع لكم ومحبتنا تردّ عنكم برد لجوئكم الذي لا يليق بكم فأنتم سادة هذا الزمن ولا يرضى السيّد عيشة الذلّ والهوان.
ربما ظُلم بعضكم، ولكن هل من إنصاف لكم إلا في بلدكم؟ هل من قيمة لأي قيمة إن لم تنبت في مكانها الصحيح، ألستم سوريين؟ إذاً لا تقبلوا بغير هويتكم ولا تبدّلوا بها من يريد أن يصنع منكم «رقماً» لتغيير تركيبة مجتمعه أو لكسب الدولارات على وقع معاناتكم.