تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


تساؤلات بعد عامين على «الثورات المأزومة» وتداعياتها

شؤون سياسية
الثلاثاء 19-2-2013
د. محمد البطل*

مع اغتيال المعارض شكري بلعيد، تدخل تونس بأطيافها وقواها السياسية المختلفة، مرحلة أخرى، من التناقضات والصراعات الجارية في البلاد،

ما بعد «ثورة الربيع التونسي»، وتضاف إلى التباينات والاختلافات الجارية في مصر، والصراع بأشكاله المختلفة في ليبيا، والتباينات في اليمن، وتؤشر بمجموعها إلى حقيقة الأوضاع الصعبة في بلدان «ثورات الربيع العربي» وآفاقها المستقبلية القريبة.‏

احتجاجات تونس الشعبية، مهد «ثورات الربيع العربي» التي أطاحت بالرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والتي أعقبتها انتخابات برلمانية أفرزت حكومة ائتلافية ثلاثية بقيادة حمادي الجبالي من حركة النهضة الاخوانية، ومشاركة حزب المؤتمر الذي انتخب زعيمه منصف المرزوقي رئيساً لتونس، والتكتل التي حصل على منصب رئيس البرلمان.‏

وأظهرت التباينات في صفوف الائتلاف الحاكم بسبب من سياسات الأخونة لحركة النهضة بزعامة راشد الغنوشي، وصولاً إلى التلويح بانفراط عقدها، التي تضاف بدورها إلى الاصطفاف الجاري في تونس، وبروز معارضة شعبية - حزبية واسعة ضد توجهات الحكومة والمطالبة بإسقاطها.‏

وجاء اغتيال بلعيد أحد قيادي الجبهة الشعبية المعارضة وزعيم حزب الوطنيين الديمقراطيين ليدخل تونس في مرحلة جديدة عناوينها: اتساع الخلاف بين المعارضة والحكومة بتبايناتها وبدء سقوط حكم النهضة (فشلت في امتحان السلطة وتحاول سرقة الثورة)، أو الدخول في مسلسل الاغتيالات ومرحلة العنف التي حذر منها بلعيد نفسه.‏

هذه التطورات والاغتيال أدت بالجبالي إلى الدعوة لتشكيل حكومة تكنوقراط (رفضتها حركة النهضة) من جهة، وإلى دعوة قوى المعارضة وبخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل بزعامة حسين العباسي إلى الإضراب العام، وصولاً إلى العصيان المدني من جهة ثانية. وتصدر الخلاف بين القوى التونسية، بما فيها أطراف الحكومة، حول عدم التوافق على الدستور الجديد، وعدم تحديد جدول زمني للمرحلة الانتقالية وتحديد موعد الانتخابات.‏

وتدخل هذه التطورات تونس في مرحلة جديدة، عنوانها الإبرز رفض الأخونة، واتساع المعارضة الشعبية - الحزبية وتالياً السؤال الكبير تونس إلى أين؟‏

أما مصر فتشهد منذ شهور ما بعد «التغيير» احتجاجات شعبية - حزبية ضد استفراد حركة الاخوان المسلمين، مدعومة من الحركة السلفية «حزب النور» بالسلطات الرئاسية والتنفيذية.. الخ وتالياً أخونة مصر.‏

وأكدت الشهور القليلة الماضية، وبخاصة الأسابيع الأخيرة، اتساع الخلاف بين حركة الشارع وقوى المعارضة، التي توصلت إلى التنسيق فيما بينها، لمواجهة الأخونة الجارية وتشكيل جبهة الانقاذ «تضم نحو 15 حزباً، وبضمنها الرموز التي ترشحت للانتخابات الرئاسية صباحي، عمرو، البرادعي.. الخ) وصولاً إلى تظاهرات شعبية أسبوعية (أيام الجمعة) في مدن القناة التي فرض الرئيس محمد مرسي (الأخواني) حالة الطوارئ فيها، وفي المدن الكبرى الأخرى وبخاصة ميدان التحرير في القاهرة «رمز الثورة المصرية».‏

وتتهم المعارضة وحركة الشارع الرئيس مرسي بالاستئثار بالسلطة، ومواصلة السياسة الخارجية للنظام السابق (مع تشديد العلاقة مع الحركات الأصولية العربية والإقليمية)، والتراجع عن شعارات الأخوان (في مرحلة المعارضة) حول إسقاط اتفاقية كامبد ديفيد الخيانية، واتفاقية تصدير الغاز إلى إسرائيل، والتشاركية والديمقراطية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية.. الخ.‏

وتظهر التطورات اتساع الخلاف بين الشارع وقوى المعارضة من جهة، وبين السلطات القائمة وسياسة الأخونة من جهة أخرى. وتضاف إلى التعقيدات الجارية في الحالة المصرية، وآفاقها القريبة القادمة، وازدياد الفرز الشعبي - السياسي وتصحيح مسار ما بعد التغيير وصولاً إلى تحقيق مطالبها. المترافقة مع رفض جبهة الإنقاذ محاولات مرسي للتهدئة من خلال الحوار الذي ترفضه جبهة الإنقاذ وتضع شروطاً للمشاركة في (تصحيح المسار، رفض الأخونة، التشاركية..الخ).‏

ولا تشذ الحالة الليبية الأكثر تعقيداً عن التطورات في مصر وتونس، بل تتعداها إلى الاقتتال المناطقي - القبائلي، واتساع الخلافات بين تعبيرات الشارع، والمجموعات المسلحة وبين التركيبة الفوقية المؤقتة الحاكمة. كذلك الحالة اليمنية التي تشهد خلافات بين قواها السياسية والمؤسسات الحاكمة «المؤقتة» من جهة والاقتتال الجاري مع المجموعات الأصولية، المرتبطة بالقاعدة، من جهة ثانية.‏

صحيح أن «ثورات الربيع العربي» أسقطت الأنظمة السابقة في هذه البلدان (وبضمنها المتوافقة مع أمريكا، أو «المهادنة» لها)، إلا أنها سريعاً ما أنتجت أزمات داخلية، تتسع تدريجياً، وصولاً إلى رفض إفرازات هذا التغيير وسلطاته القائمة، وضرورة تصحيح مسار هذه الدول، وتحقيق شعارات التغيير التي طرحها الشارع وأسقط هذه الأنظمة.‏

ورغم خصوصية كل حالة في هذه البلدان، إلا أن التطورات فيها تؤكد تصاعد الأزمات التي تعانيها هذه البلدان ما بعد «ربيعها» وتطرح تساؤلات مشروعة حول مستقبل التطورات فيها وطبيعة توجهاتها الداخلية وعلاقاتها وتحالفاتها الإقليمية - الدولية، وتالياً موقف الشارع وقواه الحية من مرحلة ما بعد «التغيير» وانعكاسات ذلك كله على المنطقة بأسرها، وعلى «المنشغلين» بهمومها.‏

 باحث في الشؤون الدولية‏

Batal-m@scs-net.org

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية