تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الاستعمار يستعيد ذاكرته... عبر ضعفنا وهمجيتهم

شؤون سياسية
الثلاثاء 19-2-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

يسعفنا تاريخ البشر والأحداث بالتقاط المقولات المستقرة والتي تأتي عادة على صيغة حكمة وقاعدة تحيط بتحولات البشر وتقدمها بنسق فلسفي وأخلاقي مقنن، دعونا الآن نأخذ هذه القواعد الثلاث وهي بالتأكيد مستقاة من تجارب البشر ومسيرة آلامهم.

العاصفة، هناك قاعدة تقول الظلم في أي مكان يهدد العدالة في كل مكان وهذا مؤشر على كيفية استبداد الجزء الفاسد بالأجزاء الإنسانية كلها، وإذا كان الهدف من الظلم هو إنجاز أهداف سلبية بطريقة الانتشار في كل بقعة جغرافية بشرية فإنه لابد إذاً من نهوض بشري من شأنه أن يوقف زحف الظلم والظلام أولاً وأن يستعيد المقدمات الأولى على الأقل لاصطفاف يعطي للشعوب وحضاراتها الأمل بأن إمكانية الرد على الظلم هو حالة إنسانية وردع العدوان الحامل للظلم هو ضرورة إنسانية أيضاً ليس بدافع من المحافظة على الذات الوطنية والقومية فحسب ولكن باستيعاب المقولة الخطيرة التي تؤكد بأن الانكفاء والانتظار والتلطي خلف اللحظات الميتة سوف يشكل فراغات واسعة وعميقة تستدعي الظلم من مصادره ومن أي مكان يوجد فيه، ألا نلاحظ الآن بأن كل أولئك المستعمرين القدامى هم الذين يتدفقون على مناطق العالم رغم أنهم عاشوا حالة تدمير في ذاتهم وفي صدامات مشاريعهم وذاقوا المرارات عبر سفك دماء ملايين البشر وعبر تدميرآلاف المدن والقرى.‏

هاهي الولايات المتحدة الأميركية تقود هذا الحال وهي القوة الإمبريالية المفوضة من ذاتها ومن سياساتها لإنجاز نزعة التحكم في مناطق العالم كله باعتبار هذا العالم هو من خصائص الأمن القومي الأميركي وبأن هذا العالم إما أنه خزان للثروة ومنجم مهجور لاستنزاف آخر ما اشتملت عليه الأرض في جوفها أو على سطحها، أو إن هذا العالم هو مجموعات من الأسواق الاستهلاكية المفعمة بالمال والمفتوحة على فهم شراء الكماليات وتقديم الترويج الاقتصادي للشعوب التي أعطتها الثروة من المال وحرمتها الثروة من الهوية والحضارة وبناء الذات، وأميركا تعتقد بأن العالم كله مساحات جغرافية وسياسية لتلبية حاجات أمنها القومي ثم ألا نعيش الآن في مسار تدفق الوجود الاستعماري الأوروبي ولاسيما عبر فرنساوبريطانيا هاهو الاتحاد الأوروبي يزاول مهنة الاستعمار الذي كان في القرن العشرين وهكذا وعلى المكشوف يستعيد الاستعمار الغربي دوافعه ومهماته وقد خرج بالأمس طريداً ويعود اليوم شرهاً قميئاً بأنياب وأظافر هذه اللحظة من التطور التكنولوجي ولعلنا نتابع أن قواعد التناقض والافتراقات النوعية بين دول أوروبا على مدى حروب فيما بينها كانت الحربان العالميتان الأولى والثانية نموذجاً لحالة الافتراس الأوروبي فيما بين تشكيلاته وصدام مشاريعه، ذلك كله صار دافعاً لدى الغرب الأوروبي أن تتحد مشاريعه وتتجمع قواه الحي منها والميت، الغالب والمهزوم، المنتصر والمندثر تتجمع في منظومة واحدة فإذا السياسة الألمانية مثل الفرنسية والإيطالية مثل الإنكليزية وحتى اليابان حضارة الشرق ودولته التحقت سياستها بالموت الآثم وهاهي تسعى لاحتجاز دور لها في المؤامرة الكبرى على سورية العربية، وفي ذات السياق ألا يمكن أن نعتبر بأن تركيا السياسية الراهنة قد استفاقت على أطلال دورها القديم واسترجعت من الذاكرة المنخورة في الأنفاق وجلسات الجواري ومجالس التهريف والتخريف، ذلك الوميض الدافع بأن دورها مازال قائماً في السيطرة على العرب والمسلمين وبأنها امبراطورية الاستعمار في هذه المنطقة الحساسة، إن أربعة قرون من القتل والتخلف والظلام كانت كافية لكي تستيقظ هذه النزعة العثمانية السلجوقية، والمجال الأول لتجليات هذه النزعة الأردوغانية هو الوطن العربي، فهو الأكثر إغراءً وهو الأضعف وهو الأقرب بالنسبة للمشروع السلجوقي بكامله، ولكن على العالم أن يتذكر بأن هذه النزعة الاستعمارية العثمانية تسللت بالتدمير إلى أجزاء من أوروبا الجنوبية ولم تترك هناك سوى المذابح والمجازر والصور الطاغية بأن الاستعمار الغربي ذكي في قتل الآخرين لكن الاستعمار العثماني غبي وهمجي في قتل البشر سواء من العرب والمسلمين أو من بلدان الجوار الأوروبي، ولكن التحولات الكبرى بدءاً من منتصف القرن العشرين وحتى الآن تطلبت أن تعدل مصادر التطلع الاستعماري في تركيا في أساليبها وأسلحتها، لعلها الآن -أعني حكومة حزب العدالة والتنمية -تصوغ رؤيتها وحركتها على أساس مشروع معدل هو (الأرغاناكون) كما يصفه الكاتب التركي مردان ينارداك في صحيفة يورت التركية والمشروع هذا يقوم على قواعد ثلاث أولها وأخطرها هو ضرورة العودة لإعادة بسط النفوذ على العرب وسورية في الجوار والمغامرة إليها أكثر إغراءً كما يتصور أردوغان وأوغلو، والقاعدة الثانية هي المتمثلة باستيلاء حزب العدالة والتنمية على الدولة التركية والتحكم بالمجتمع هناك وتأسيس نظام رجعي فاشستي بدعم مطلق من واشنطن ومن الغرب عموماً وهذا يعني دفن النظام العلماني وقيم الدولة التركية الحديثة التي أسس لها أتاتورك والبدء بنسق جديد يؤمن فورة النزعة الاستعمارية العثمانية باستخدام القاعدة الثالثة في هذا المجال وهي القائمة في نظرية الاسلام السياسي المعدل والتي طرحها كاتب معروف هو فتح الله غولن حيث لابد من إسدال الستار على الجمهورية التركية الأولى وإعادة تشكيل الإسلام بطريقة معدلة تتداخل فيها مظاهر الديمقراطية والعلمانية بما يخدم صياغه امبراطورية عثمانية سلجوقية جديدة، على أن الأمر من جميع مصادره وعبر تشكيلاته الغربية منها والتركية كان يستمد أصوله من النظرية المعروفة بالشرق الأوسط الجديد والمشروع هذا يطرح من الظاهر أهدافاً وعناوين ذات صبغة سياسية واجتماعية وثقافية معاصرة ولاسيما في مسائل حرية الرأي وحق العمل والتنمية الاقتصادية وتمكين المرأة، في حين أن ذلك كله ليس إلا مناهج سياسية جديدة تعبر من الظاهر إلى العمق والعمق هو باستمرار بسط النفوذ على قوى العالم وثروات العالم مع مايعنيه ذلك من تدمير للذاكرة التاريخية للأمم ونسف لرصيد الثثقافات والقيم والتقاليد التي تشكل خصائص هذه الأمم ولاسيما أمتنا العربية، وعبر هذا السياق كان لابد من التمويل والغطاء السياسي وهنا تبدى دور جزيرة قطر وقطر الجزيرة ومعها النظام الآفل فيما يسمى السعودية لأن نظرية الشرق الأوسط بأساسها تقوم على فكرة أن التكاليف والأدوات لابد أن تكون من الآخرين، والآخرون هم دول النفط العربي وهم خطاب ديني متحجر تصنع الإسلام في زاوية التهمة، والآخرون هم أذرعة وأدوات سيطرت الهمجية عليها وزينت لها القوى المعتدية بأنها تنشر رسالة الله على الأرض.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية