يعود شرف فك شيفرة الكتابة الإيبلية وفهمها وقراءتها إلى العالم الإيطالي ج. بيتيناتو. ففي كتابه «أراشيف إيبلا: إمبراطورية مطبوعة على الطين»، الصادر عام 1981 في نيويورك، كتب قائلاً إنه في تشرين الثاني عام 1969 تعرف في روما على عالم الآثار ب. ماتييه، الذي حدثه عن تنقيباته في سوريا وعرض عليه التمثال مقطوع الرأس العائد لملك إيبلا إيبات - ليم، وكان مكتوباً على التمثال خمسة وعشرين شطراً بكتابة مسمارية.
أما ج. بيتيناتو فسرعان ما قام بقراءة هذه السطور، وقال إن أمامه تمثال ملك إيبلا ابن الملك أغريش - هيب، المعروف سابقاً بواسطة الألواح الطينية التي عثر عليها في بلاد ما بين النهرين وغيرها.
ترجم ج. بيتيناتو، إلى جانب الكتابة الموجودة على التمثال، عدة نصوص لألواح فخارية، نقلها إليه ب. ماتييه. لهذا يعتبرونه أول من فك شيفرة كتابة إيبلا المسمارية ومترجماً للغة الإيبلية الجديدة المجهولة.
وقبل اكتشاف إيبلا، لم يستطع العلماء حتى التفكير بأن في ذلك العصر كانت تعقد اتفاقيات دولية. وكأن هذا كان مشابهاً للذي جرى في القرون القريبة الماضية. والآن! وفي هذه الاتفاقيات لم تذكر أسماء ملوك إيبلا، الأمر الذي يختلف عما هو ملاحظ في تاريخ دولة قديمة أخرى - سومر، بابل، آشور ومصر. وكانت إحدى الوثائق الإيبلية شاذة عن ذلك فقط. قيل فيها إن ملك إيبلا توجه إلى الملك الآشوري بطلب ضمان وتسهيل تجارة إيبلا في الأقاليم البعيدة عن حدودها، على الرغم من أن إيبلا كانت تتحكم بسياسة واقتصاد سبع عشرة دولة، من الصعوبة تحديد أماكن تواجدها الآن. من المعروف أن إحدى التسميات الجغرافية هي مدينة كانيش الواقعة في مركز تركيا اليوم، وهي بعيدة جداً عن إيبلا. هذا يشير إلى قوة إيبلا العسكرية وتأثيرها السياسي في تلك الأزمنة المتوغلة في القدم.
ساعد حل شيفرة وترجمة الألواح الطينية العلماء في توضيح التركيبة الاجتماعية الطبقية لمجتمع إيبلا. وأصبح معروفاً عدد السكان، الذي بلغ حينها 260 ألف إنسان. انقسم سكان إيبلا إلى مجموعتين اجتماعيتين: واحدة مميزة «دومو - نبغيون» وأخرى تتشكل من الأجانب قليلي العدد «البارانيون». والدومونتيون تعني بلغة إيبلا «أبناء إيبلا»، المولودون أباً عن جد في إيبلا ويتمتعون بكامل الحقوق ولهم امتيازات في المجتمع.
ينتمي إلى مجموعة أبناء إيبلا ممثلو المهن المختلفة أيضاً - صانعو الفخاريات «باخار» والتماثيل «شيتيم»، النجارون «ناغار»، الحدادون «شموتش وكوديم»، النساجون «تور - دو»، الطحانون «نيكين»، الخبازون «موخالديم» وغيرهم.
ينتمي إلى المجموعة الثانية الأجانب «بار ـ آن» بشكل خاص، والعبيد أيضاً وأسرى الحروب والجنود المأجورون «المرتزقة» في جيش إيبلا والتجار «دام - غاريشلو كار».
لعبت نساء إيبلا دوراً كبيراً في حياة المجتمع. إذ يكفي أن نقول إن الملكة «ماليكتوم» على سبيل المثال، كانت تشارك الملك في الحكم وترافقه حين جلوسه على العرش. ومثل هذه الأمور لم تكن أي من نساء الحضارات الشرقية القديمة تقوم بها.
كان الملك هو رئيس مدينة - دولة إيبلا، أما الحكم فكان يقوم به رئيس الوزراء نيابة عنه - السيد «أدانو».
كان يعيش في المدينة ذاتها حوالي أربعين ألفاً من البشر، أما الـ 220 ألفاً الباقية فكانت تعيش في أماكن أخرى. واحتوت المدينة عدة قصور، ودوراً سكنية للخدم والشعب: القصر الملكي «اي ـ ين» حيث عاش الملك، القصر الرئيس «اي ـ ماخ» حيث عاش وعمل الموظفون الإداريون الكبار، قصر قادة المدينة «اي ـ جيرجي»، بيوت الموظفين الصغار «اي ـ آم»، وأيضاً بيوت السكان.
كان القسم الأكبر من السكان يمارسون مهنة حياكة النسيج، ودباغة الجلود. وكل هذه البضائع كانت تنتج للسوق الداخلية أو للتصدير إلى دول أخرى.
ومن بين الاختصاصات التي انتشرت صناعة الخزف وصياغة الجواهر وصناعة الخبز والأسلحة والجلود وغيرها.
فك علماء الآثار شيفرة النصوص المسمارية، التي تتحدث عن النظام التعليمي في إيبلا: عن مدرسة إيبلا، تأسيسها ومراحل تطورها. وكانت هذه المدرسة عبارة عن أكاديمية ذات طابع خاص، حيث كان فيها يعد الأخصائيون «أو حرفيو» مختلف المهن.
اكتشف علماء الآثار في «أراشيف المدرسة» معاجم وموسوعات ونصوص تدريسية وتمارين قواعد ونصوص بالحساب. وتبين أنه من خلال التعليم، أُعير انتباه شديد للتاريخ وللدين وللأساطير والخرافات. كان يلقي الدروس في المدرسة معلمون «مدرسون» محليون أو من دول أخرى، يتم استدعاؤهم لهذا الغرض. وبعد مرور أربعة آلاف سنة لا يزال اسم أحد المدرسين، المدعوين من دولة أخرى للتدريس في مدرسة إيبلا معروفاً حتى يومنا هذا. كان بروفيسوراً من مدينة كيش «في بلاد الرافدين» واسمه «اشما ـ يا». ويؤكد هذا البروفسور نفسه في إحدى الرسائل التي يتحدث فيها عن وصوله إلى إيبلا من كيش حيث كان يعمل كاتباً.