تطوير صيغ التعاون بين دول المعاهدة. كذلك موقف هذه الدول من التفاعلات العديدة الجارية في منطقة الشرق الأوسط ودول الجوار الروسي، والموقف من التطورات الدولية وبضمنها مسائل الأمن العالمي.
تضم دول المعاهدة عدداً من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وتشكل صيغة تعاون متقدمة لرابطة الدول المستقلة الـ12 باستثناء دول بحر البلطيق الثلاث (أستونيا، ليتوانيا، لاتفيا). وتتألف من (روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان، أرمينيا، أوزبكستان، قرغيزيا، طاجيكستان) وتضاف أيضاً إلى صيغة أخرى أكثر تطوراً هي الاتحاد الجمركي الذي يضم (روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان). وقد تشكلت معاهدة الأمن الجماعي عام 1992، إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، وأخذ منحى أكثر تعاوناً منذ عام 2004.
وإذ بحثت القمة في سبل تعزيز التعاون بين دولها، وكيفية تطويره وبخاصة منطقة التجارة الحرة، والتنسيق في سياسات دول المعاهدة تجاه الأحداث التي يشهدها عالمنا، فإنها أعلنت توافقها تجاه العديد من المتغيرات الإقليمية والدولية. وأشارت صراحة إلى موقف دولها من الأحداث في سورية، ومن الملف النووي الإيراني، ورؤية هذه الدول لكيفية التعاطي مع هاتين القضيتين.
فقد أعلنت القمة دعمها لخطة المبعوث الدولي كوفي عنان، وعبرت عن قلقها تجاه الأوضاع في سورية وما حولها، ودعت إلى تجاوز الأزمة السورية من قبل السوريين أنفسهم، ووجوب حل الخلافات السياسية الداخلية في الدول العربية بصورة سلمية، وضمن أطر دستورية، وعبر الحوار ورفض التدخل الخارجي. كما دعت القمة إلى ضرورة ضبط النفس، والامتناع عن التصريحات والتصرفات التي من شأنها توتير الأجواء الإقليمية والدولية في التعامل مع الملف النووي الإيراني، وضرورات الحل السياسي – الديبلوماسي عبر الحوار ورفض الإجراءات العقابية الأحادية.
أما على الصعيد الدولي فقد أكدت القمة دعم دولها المبادرة الروسية بشأن عقد اتفاقية أوروبية شاملة في مجال الأمن، ورفضها إحداث خلل في موازين القوى من جانب واحد، يضر بالأمن الدولي، والاستقرار الاستراتيجي العالمي، في إشارة إلى المحاولات الأمريكية لنشر شبكة الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ.
وقد أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: (أن قادة دول المعاهدة يتخذون مواقف متشابهة إزاء مسائل الأمن الجماعي العالمي، وأن دورها يزداد دولياً).
وهذا ما أشار إليه الرئيس الكازاخي نزار باييف والعديد من قادة دول المعاهدة أيضاً.
وتزداد أهمية هذا الموقف الجماعي لدول معاهدة الأمن الجماعي، كونه يشكل إضافة نوعية، إلى مواقف روابط ومجموعات أخرى، إذ أعلنت مؤخراً رابطة الدول المستقلة المواقف ذاتها تجاه الأزمة السورية والملفات الإقليمية الأخرى. كذلك منظمة شانغهاي للتعاون (روسيا، الصين، أربع جمهوريات آسيوية – سوفييتية سابقة) ومجموعة بريكس الدولية (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا). كما يمثل هذا الموقف تأييداً دولياً آخر لكيفية تعاطي الحكومة السورية مع الجهود “الدولية” المتمثلة في خطة عنان، ونقاطها التي نصت على ضرورة وقف العنف وعمليات المجموعات المسلحة، واعتماد الحوار السياسي سبيلا لحل الأزمة السورية.
كما يزداد موقف دول المعاهدة أهمية، مع بدء بروز التباينات في المواقف الأوروبية تجاه العديد من الملفات الإقليمية وبضمنها الأزمة السورية، المتزامنة مع التطورات الانتخابية التي شهدتها ولا تزال العديد من دول الاتحاد الأوروبي وانعكاساتها. كذلك انكفاء الدور الأمريكي السلبي، ولو نظرياً، بسبب من بدء الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية، وانشغال أمريكا بقضاياها الداخلية لشهور قادمة. وبالتالي الإقرار الدولي المتزايد حول ضرورات التعامل المتوازن مع الإشكاليات المناطقية والإقليمية، والحلول السياسية، ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول الأخرى ذات السيادة، وما يمثله من فشل لسياسة عام كامل من التعاطي مع التفاعلات الجارية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار ينظر باهتمام إلى الموقف الإيجابي لدول معاهدة الأمن الجماعي، وإلى نتائج قمتها الأخيرة في موسكو، وما تمثله أيضاً.
باحث في الشؤون الدولية
Batal-m@scs-net.org