العجز آنئذ نشأ عن انهماك الدابي وفريقه بتقصي الحقائق قبل أن يرفع تقريره إلى جامعة الدول العربية, موثقا بمسؤولية الجماعات المسلحة عن سفك الدم.
والذي حدث أن الفريق الدابي ألقى في يد الجامعة العربية “قنبلة”, وليس تقريرا, لكون تقصي الحقائق ضَبَط بالجرم المشهود “جماعات مسلحة” تقترف الإرهاب. ولذلك طوت الجامعة التقرير.
وليس في التحالف الإمبريالي-الإسلاموي من يريد لمهمة أنان, والجنرال مود, تكرار تقصي الحقائق, حتى وإن نال شغل الجماعات المسلحة من أمن المراقبين الأمميين أنفسهم.
المطلوب لدى مهندسي التحالف تقرير أممي يعوضهم ما فاتهم من تقرير الدابي, وهو أن يسرد أسبابا واستنتاجات يمكن البناء عليها لاستنساخ السيناريو الليبي, باستدعاء الناتو إلى تدخل عسكري في سورية بتفويض من مجلس الأمن.
بيد أن هذا الوضع الأمثل لدى مهندسي التحالف, تتهدده خطوات الجنرال مود على طريق تقصي الحقائق.
ولدفع هذه المهددات, تتكثف الرمايات على مهمة أنان: أمير قطر نعاها قبل أن تنطلق في تحديد أن فرص “نجاحها” لا تتجاوز الـ3%, وسعود الفيصل قال: إن الثقة بمهمة أنان تتناقص.
أما الرمايات على المهمة دبلوماسيا وإعلاميا فترتدي قناع “الحرص على إنجاحها” من محاور ثلاثة طافحة بالمغالطات:
المحور الأول: لا يمل الإسطنبوليون والفضائيات المجندة لترويج خطابهم, عن توكيد أن البند الأول من مبادرة أنان هو الحل السياسي. وهذا صحيح. ولكن تحديد أي حل سياسي يطمعون فيه, هو المغالطة القاتلة لمبادرة المبعوث الأممي.
“حلهم السياسي” ينصرف إلى أن يفاوضهم الحكم في سورية على التفاصيل الإجرائية لتسليمهم السلطة!!!.
وهذا يتناقض مع روح مبادرة أنان ونصها الحرفي القائل بإطلاق عملية سياسية شاملة يقودها السوريون.
المحور الثاني: بسبب يقين مهندسي الهجمة المسلحة على سورية من أن كوفي أنان لم يأت دمشق لتسليم السلطة إلى “النواة الصلبة” في مجلس اسطنبول الإخونجي, أعلن الإخوان المسلمون, بلسان رياض الشقفة (عبر إعلام السعوديين: الشرق الأوسط البريطانية 11/5) أن “السلاح هو الوسيلة الوحيدة المعتمدة للحسم في سورية”.
الإخوان بذلك الإعلان أتاحوا إنهاء اللغط حول من المسؤول عن الاعتداء على بعثة مراقبي أنان في درعا 9/5, وفي الاعتداء التفجيري في دمشق 10/5, وحتى دير الزور 19/5, وما بينهما (وسبقهما ويلحقهما) من هجمات إرهابية على المراقبين الأمميين وعلى المواطنين السوريين.
وبإعلان “الإخوان” مسؤوليتهم عن نهج استخدام السلاح يسحبون من التداول المغالطة السفسطائية في شأن التفريق بين مكونات التحالف الإمبريالي-الإسلاموي الذي يخوض -عبر سورية- “حرب الشرق الأوسط الجديد”. ولاسيما التفريق بين “القاعدة” و”الإخوان” والسلفيين التكفيريين والـC.I.A والموساد ومرتزقة أردوغان وبندر وحمد وسعد الحريري.
الوقوع في مطب التفريق بين هذه المكونات, يتيح لواشنطن والدول الإمبريالية فرصة للأبلسة في غسل يديها من دم المسيح كما بيلاطيوس, وبما يطلق العنان لإغراق مهمة أنان في لجّة تقصي التفاصيل عن شخوص التحالف الإمبريالي-الإسلاموي, ولاسيما المتسللين من تونس وليبيا وتركيا ولبنان إلى سورية, وبما يُضاع معه جهد ووقت, قد يقتضي التمديد لمهمة الجنرال مود, ويسوغ لأطراف التحالف الإمبريالي-الإسلاموي الحديث في مجلس الأمن عن إخفاق مهمة أنان, وتاليا: استدعاء الناتو للتدخل مباشرة, أو عبر منطقة آمنة تركية.
المحور الثالث: تتصل بغاية المغالطة في تفشيل مهمة أنان, تلك المغالطة الرائجة لدى فلاسفة “الربيع الإسلاموي-الإمبريالي”, القائلة باستبعاد ما يسمونه “الحل الأمني”, والذي ينصرف عمليا إلى أن تستقيل الدولة السورية من مسؤوليتها عن حماية مواطنيها من هجمات مجندي التحالف المعادي لهذا الوطن.
وقد كان الأساس النظري في مغالطة استبعاد “الحل الأمني”, ذلك الأمر اليومي الصادر عن الوزيرة كلينتون بعيد أول احتجاج في دمشق منتصف آذار 2011.
يومئذ طالبت كلينتون دمشق بـ«ممارسة أقصى درجات ضبط النفس».
وهذا لم يكن يعني سوى: اتركوا حبل مخطط بندر-فيلتمان على الغارب!. أي ليتقدم الضالعون, والأدق: المستأجَرون السوريون, لاستلام الحكم, دون عوائق وطنية.
والذي يحدث راهنا في شغل مهندسي العدوان الإمبريالي-الإسلاموي على خط إفشال مبادرة أنان, هو استباق استنتاجات الجنرال مود من معاينة إرهاب الجماعات المسلحة, بحديثهم عن أن وقف إطلاق النار لم يتحقق. وأن دمشق لم تلتزم تعهداتها بسحب السلاح الثقيل من المدن.
والملحوظ في مغالطات خطابهم, هو تعمد إطلاق النار, للحديث عن “إن إطلاق النار لم يتوقف”!!!.
والشأن نفسه ينطبق على التفخيخ في مغالطة سحب الدبابات من المدن.
التفخيخ وثيق الارتباط بحاجة الإرهابيين الميدانية إلى إزالة المصفحات من طريق بنادقهم الرامية إلى قتل المزيد من جنود جيش عصي على الانشقاق, والمزيد من المواطنين الملتفين حول قيادتهم.
وما يجب استخلاصه من المغالطات في المحاور الثلاثة, والشائنة لجبين التحالف الإمبريالي-الإسلاموي المحارب ضد سورية من أجل “ربيع الشرق الأوسط الجديد”, هو أن صراع إرادات معمرا يحتدم في الوطن العربي بين إرادة التحرر الوطني, وبين الإمبريالية والمرتهنين لها في السياسة والاقتصاد والاجتماع.
المرتهنون العرب للإمبريالية يقيسون بؤس سياستهم باستقلال دمشق, وباستعصائها على محاولات إكراهها على الانزلاق إلى الارتهان الشائن لهم.
وإلى أن يعاين كوفي أنان مغالطات خطاب التحالف المعتدي على سورية, المشفوعة بقلق إيهود باراك من البطء في الإجراءات التنفيذية لمخطط تدمير سورية, فإن احتدام صراع الإرادات في الوطن العربي سيتفتق عن المزيد من الدماء.
قلق “اسرائيل” من بطء العدوان, أمر يومي للإرهابيين بالتصعيد؛ وبتكثيف التفجيرات وتوسعة مواقعها, كي تنال من مراكز قوة سورية خصوصا الأمنية, وكي تنال من روع الأهالي.
اذ إن خيوط صراع الإرادات في هذا الوطن, تتناهى كلها إلى فلسطين.
Siwan.ali@gmail.com