تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ألبير كامو.. من خلال ميشال أونفري

فضاءات ثقافية
الثلاثاء 22-5-2012
بعد كتابه عن عالم النّفس الشّهير سيغموند فرويد الذي أثار جدلاً عاصفاً في الأوساط الفكريّة في فرنسا، أصدر الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري كتاباً جديداً يحتوي على 600 صفحة، عن ألبير كامو «1913-1960». الهدف الأساسي منه هو إعادة الاعتبار لصاحب رائعة »الغريب» أمام الهجمات التي شنّها ويشنّها عليه أعداؤه وخصومه القدماء والمحدثون. كما إعادة الإشراق لصورته ولأعماله التي سعى البعض لتشويهها والتّقليل من شأنها.

وفي كتابه المذكور يعود ميشال أونفري إلى مختلف المراحل التي عاشها كامو منذ البداية وحتى موته العبثي في حادث سيّارة عام 1960. وكانت الطفولة موسومة بالفقر وباليتم المبكّر حيث قتل والده الذي كان يعمل في الزّراعة في الحرب الكونيّة الثّانية تاركا إيّاه رضيعاً, أمّا الأم فكانت تعمل خادمة في المنازل وكانت امرأة ميّالة إلى الصّمت, ولها قدرة كبيرة على تحمّل متاعب الزّمن. من خلالها سيتعرّف الطّفل الصّغير على البؤس الإنساني وعلى محنة المعذّبين في الأرض. وكانت الجدّة من الأمّ عجوزاً قاسية حيث لم تكن تكفّ عن ضرب الطفل الصّغير ومعاقبته لأتفه الأسباب.‏

وفي حيّ «باب الواد»حيث ولد ألبير كامو، كانت الأصوات العربيّة تختلط بأصوات إيطاليّة وإسبانية ويهوديّة، وفيه تمتزج رائحة القرفة بروائح الزّعفران وماء الجافيل والفلفل. ويروي الجزائريّ دادي هوّاري المفتون بكامو أن الأمّ والجدّة كانتا تذهبان إلى السوّق بعد العاشرة والنّصف صباحاً عندما يبدأ الباعة في جمع بضاعتهم والعمّال البلديّون في تنظيف السّوق لاقتناء ما تبقّى بثمن بخس.‏

ورغم البؤس ومرض السّلّ الذي اكتشفه وهو في السّابعة عشرة من عمره، فإنّ الفتى ألبير كامو كان محبّاً للحياة عاشقاً لملذّاتها الصّغيرة في الحيّ الفقير بين جنسيّات مختلفة. كان يحبّ ممارسة لعبة كرة القدم بل إنه انتسب إلى فريق «بلكور» ليكون حارس مرمى. وفي الرّبيع والصّيف كان ينطلق إلى ضاحية «تيبازا» للسباحة والتّمتع بسحر البحر. وفيما بعد سيكتب كتابه البديع الذي حمل عنوان: «أعراس» والذي سيتغنّى فيه بسحر الطّبيعة المتوسّطية على طريقة شعراء الإغريق القدماء متحدّثاً عن الآلهة التي «تتكلم في الشّمس» وعن «رائحة الأبسنت المدرّعة بالفضّة» وعن كتاب أعراس كتب كيشال أونفري يقول: «هذا الكتاب نصّ حلوليّ عظيم فيه تبدو تأثيرات الفلسفة الظّاهراتيّة واضحة جليّة».‏

وبكلمات بسيطة، يتحدّث عن االميتافيزيقا». وحتّى عندما أصبح كامو كاتباً عالميّاً فإنه لم ينس جذوره أبداً. وكان يقول إنه عمل دائماً لاقتلاع عائلته من غائلة الفقر والخصاصة ساعياً الى أن يجعل لها مصيراً في التّاريخ عوضاً أن تختفي دون أن تترك أثراً.‏

يتوقف ميشال أونفري عند العلاقة الحميميّة بين كامو وجان غرونييه، أستاذه في مادّة الفلسفة، والذي كان أوّل من اكتشف موهبته الأدبيّة العالية وبها نوّه محرّضاً إيّاه على الكتابة. وتحت تأثيره قرأ كامو أعمال الكبار من أمثال مونتاني وباسكال ونيتشه ليكتشف سحر الكلمة وقوّة الفكرة القادرة على تغيير مصير الإنسان. وفي ما بعد سيكتب في «الرّجل الوّل» الذي نشر بعد مرور ثلاثين عاماً على وفاته: «علينا أن نحاول أخيراً أن نعيش ما نحن نفكّر فيه, وأن نعمل في نفس الوقت على التّفكير بشكل صحيح في حياتنا في زمننا».‏

وتحتلّ المعارك الفلسفيّة والسياسيّة التي اندلعت بين عملاقي عصرهما: كامو وسارتر حيّزاً واسعاً في كتاب ميشال أونفري الذي ينحاز لصاحب رائعة «الغريب» قائلاً: إنه لم يتبق من أعمال سارتر إلا «الكلمات» التي روى فيها فصولاً من سيرته الذّاتيّة بشكل شاعريّ. أمّا أعماله الأخرى فلا تستحقّ الاهتمام.‏

وعن علاقة كامو بالجزائر يكتب ميشال أونفري قائلاً: «إذا ما كانت الجزائر تدين بالكثير لكامو فإنه يدين لها بالكثير هو أيضاً. فعلى أرضها بين أبناء شعبه هو بلور أطروحاته المضادّة أطروحات فيلسوف لا يريد أن يتحدّث إلاّ عمّا عاشه ويريد أن يأكل من تفّاحة حوّاء حتى قلبها وهو لا يشعر لا بالذّنب ولا بالحياء في أن يكون سعيداً».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية