صاحب مقولة (العالم كلّه مسرح) لم يدرك أن العالم كله سينشغل ليس بما خط فقط من مسرح, إنما بالكيفية التي أوجدت ذاك النتاج الهائل من مسرحيات أصبحت الشغل الشاغل لدارسي الدراما الشكسبيرية. على الرغم من مضي ما يقارب الأربعة قرون على رحيل شاعر الانكليز الأبرز وليام شكسبير, تتوالى أخبار تُثار كشفاً لمزيد من أسرار الكتابة و التأليف لديه. فمن شارك شكسبير الكتابة.. وهل كانت كل مسرحياته من تأليفه الخالص وحده.. من تأثر به.. ومن قلّده.. ؟
عشرون عاماً أمضاها غاري تايلور، أحد الأدباء الأميركيين والمختص بالأدب الشكسبيري.. محاولاً استعادة إحدى المسرحيات المفقودة لكاتب انكلترا الأول والمعنونة (تاريخ كاردينيو) التي يعود أول ذكر لها إلى عام 1613 في إحدى المخطوطات الملكية التي توثق للأجر الذي تقاضاه أحد الممثلين ممن أدّوا أحد أدوار المسرحية المكتوبة خلال حياة شكسبير.
الظهور التالي لها كان في وثيقة تضم قائمة الأعمال التي كان مقرراً نشرها عام 1653، وكانت الوثيقة تؤكّد عائدية المسرحية لكل من شكسبير وجيمس فليتشر. ثالث ذكر ورد لدى الكاتب لويس ثيوبولد الذي كان يقلّد أسلوب شكسبير.. كتب مسرحية بعنوان: (الزيف المزدوج) مؤكّداً أنها مأخوذة عن مخطوطات أصلية لمسرحية (تاريخ كاردينيو) وذلك بعد ما يقارب أربعةً وسبعين عاماً من تاريخ ذكرها الثاني.
استعان تايلور بأساليب الدراسة الحديثة من تقنيات برمجية وقواعد بيانات وخاض في أبحاث قاربت عمليات التنقيب محاولاً استخلاص الأسطر التي لربما كتبها شكسبير بخط يده من مخطوطة مسرحية (الزيف المزدوج) هادفاً إلى تأكيد هذا الاعتقاد. و يرى جيمس شابيرو، أستاذ الأدب الانكليزي في جامعة كولومبيا، ومؤلّف كتاب (مَن كتب أعمال شكسبير)، أن يد شكسبير هناك في مسرحية الزيف المزدوج التي كتبها ثيوبولد.. لكنه يعود ليقول: (عليك أن تأخذ في الاعتبار أنك تتعامل مع نص معدّل مأخوذ من نص معدّل أيضاً).
أما بالنسبة إلى لويس ثيوبولد فتضيف تيفاني ستارك، أستاذة المسرح بجامعة أوكسفورد: إنه كان يجمع بين كونه مقلّداً لكتابات شكسبير, وبين كونه محرراً لأعمال هذا الأخير.. وتشكك بصدقيته ككاتب مسرحي.
وقصة المسرحية مأخوذة بالأصل عن الكاتب الأسباني ميغويل دي ثرفانتس, وهو طرح يؤكّده شابيرو.. لا سيما أن العودة إلى ظروف تلك الأيام تسجل أن ملك الانكليز جيمس الأول الذي اعتلى العرش عام 1603 عقد صلحاً مع الأسبان.. وبالتالي انتشرت الآداب الأسبانية, وكانت البلاد في زمنه موطناً لكافة اللاجئين والتجار والبحارة والسفراء.. ومعلوم أن شكسبير كان تدور معظم أحداث أعماله خارج الأرض الإنكليزية مثل (فيينا، روما، فيرونا، البندقية) غالباً تأثر بحكايا من التقى من أجناس بشرية عاشوا على أرض بلاده.. فحين انتقل إلى لندن عاش إلى جوار اللاجئين الفرنسيين.
وعلى ما يبدو أن انشغال تايلور بأبحاثه عن مسرحية (تاريخ كاردينيو) يعود إلى رغبته بإيرادها في النسخة الحديثة للأعمال الكاملة لشكسبير التي ستصدر عن أوكسفورد عام 2014 والتي سيحررها تايلور نفسه لكنه سيكتفي بالمقاطع التي تخص شكسبير وحده.
و يذكر أنه انطلق في نيسان الماضي مهرجان شكسبير العالمي الذي تقدّم ضمنه عروض لأكثر من خمسين فرقة مسرحية من كافة أنحاء العالم ويستمر طيلة الصيف. وفي أيار الحالي قدّمت وتقدّم في لندن عروض: روميو وجولييت لفرقة عراقية، وعرض كوميديا الأخطاء لفرقة أفغانية، وهنري السادس بأداء ثلاث فرق بلقانية، صربية، وألبانية, ومقدونية, والملك لير بأداء فرقة بيلاروسية.. و هو ما يدلّل على فكرة (العالم كله يشترك ويتوحّد في مسرح شكسبير).