توجد في ألمانيا العديد من المشاريع الثقافية، كالإقامات الفنية والأدبية التي تستقبل فنانين أو أدباء من مختلف دول العالم. مشروع «فن وأرشيف» هو أحد هذه الإقامات الثقافية التي ستستقبل فنانين ألماناً في بيروت, وفنانين لبنانيين في كولونيا. مازال المشروع في مراحله الأولية هذا العام، ومن المرتقب أن يصير سنوياً ابتداء من 2014.
يقول ستانيسواف شتراسبورغر منسق ومؤسس المشروع، عن كيفية انبثاق فكرة الإقامة: «أتنقل بين بيروت وكولونيا، وقد عايشت وشاهدت ما أعجبني في تلك الأمكنة التي عشت فيها، وقد قلت إنه من الجميل أن أشرك الناس في الاكتشافات التي اكتشفتها وفي الأشياء الرائعة التي عشتها، أقصد الناس الذين لهم اهتمامات ثقافية كالكتاب والفنانين».
الحرب موضوع مشترك بين المدينتين
قد يبدو للوهلة الأولى أنه لا قواسم مشتركة بين مدينتي بيروت وكولونيا، لكن ستانيسواف شتراسبورغر يشرح أسباب اختيار المدينتين لهذا المشروع الثقافي:»هناك طبعاً سبب شخصي كوني أعيش بين بيروت وكولونيا، ومن جهة أخرى هناك سبب موضوعي وهو أن كلتا المدينتين مرتبطتان بالذاكرة وبالتاريخ.»
ويضيف ستانيسواف شتراسبورغر: «التاريخ في هاتين المدينتين له تأثير على ساكني المدينتين. فموضوع إعادة البناء بعد الحرب الأهلية في لبنان حاضر بقوة في بيروت، وطبعاً كولونيا عاشت أيضا هذه المرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما كان لذلك من تأثيرات على صورة المدينة».
أهداف المشروع الثقافي
يسعى المشروع إلى تحقيق عدة أهداف من بينها انتاجات فنية للفنانين المقيمين في البلدين، هذه الإنتاجات سيكون لها طابع عالمي ولكن في نفس الوقت تحمل ملامح من الطابع المحلي للمدينتين. وعن الأهداف الأخرى يقول منسق المشروع: «أعتقد أن الجمع بين مثقفي المدينتين وخلق حوار بينهم وإنشاء تبادل ثقافي هو أيضاً أحد أهداف المشروع.» ويضيف: «لا أحب فكرة أن نأتي بمثقفين من لبنان لنريهم ما أنجزناه أو ما حققناه في ألمانيا، هؤلاء المثقفون لديهم أيضاً ما يمكن أن نتعلم منه. فكلا الطرفين يتبادلان ويستفيدان من الخبرات».
يكفل المشروع للمشاركين الإقامة المجانية وتذكرة السفر ذهاباً وإياباً، إضافة إلى راتب شهري بقيمة 1200 يورو. وعن جنسيات المرشحين يقول شتراسبورغر: «يمكن أن يتقدم مرشحون من دول عربية أخرى كمصر على سبيل المثال، المهم أن تكون هناك أسباب واضحة لاهتمامهم بهذا المشروع».
سحر الثقافة العربية
شتراسبورغر هو كاتب بولوني، يتكلم العربية ومفتون بالثقافة العربية. ورداً على سؤال حول سر اهتمامه بهذه الثقافة، يقول: «إنه سؤال صعب، إنه يشبه السؤال: لماذا تحب شخصاً ما؟ المرء يقع في الحب ببساطة دون إبداء أي أسباب. لكنني أستطيع القول إن انجذابي للثقافة العربية جاء عندما كنت شاباً في أول زيارة لي إلى تونس. هذا الانجذاب أو الإعجاب جاء من ناحية الصورة، كالأشكال الهندسية القديمة، والخط العربي الذي حاولت أن أكتشف ما يختبئ وراءه من معان، وهناك طبعاً أسباب أخرى كثيرة.»
يقول شتراسبورغر إنه تعلم أشياء كثيرة من إقامته في بيروت ومن ضمن الأشياء التي أثارت اهتمامه:»ما اكتشفته في بيروت ويبدو مختلفاً عما نعرفه هنا في أوروبا، هو التعامل مع اللغة وخاصة في الكتابة الأدبية، فنحن في أوروبا عندما نتخصص في الكتابة الأدبية فالأمر يكون بلغة واحدة فقط. لكن في بيروت الأمر يختلف، حيث يمكن التعبير عن بعض الأفكار بلغة معينة وعن أفكار أخرى بلغة ثانية. وهذا بالنسبة لي كان اكتشافاً مهماً».
يُمول المشروع من جهات ألمانية ولبنانية كمدينة كولونيا ومدينة بيروت ومؤسسات كمؤسسة هاينريش بوول ومؤسسة «ذي هانغر» في بيروت، إضافة إلى شركاء آخرين. وسيتم تلقي طلبات الترشيح إلى غاية الأول من تموز 2012، حيث ستشرف على اختيار المرشحين لجنة تحكيم ستعلن عن النتائج في وقت لاحق.