تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محطات في نقد الفكر القومي

كتب
الأربعاء 16-2-2011م
يمن سليمان عباس

كثرت في الآونة الأخيرة مراجعات الخطاب القومي العربي، وبعد مرور أكثر من قرن يأتي ذلك مسوغاً، ولابد من الوقوف عند محطات هذا الفكر والنظر إليه بطريقة نقدية تقرأ ما تحقق وتسأل عما لم يتحقق ولماذا لم يفعل ذلك .

المشروع كبير جداً والذين درسوا الخطاب القومي كثر أيضاً، بعضهم لم يقدم شيئاً ذا فائدة ولكن بعضهم الآخر قدم نقداً تحليلياً مهماً.‏

من هنا يأتي كتاب الدكتور عبد الإله بلقزيز الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية تحت عنوان «نقد الخطاب القومي».‏

لماذا الكتاب‏

يقول المؤلف في مقدمته: أكثر من قرأت لهم ردوداً على ما أكتب وما يكتب غيري في مضمار مراجعات الفكر السياسي العربي، لا يفهم من النقد إلا معناه السلبي المرادف للهدم، النقد عندهم نقض، أو هذا ما تبلغه مداركهم، ما إن تبدأ في نقد الفكر الماركسي أو القومي أو الإسلامي حتى يشتد العويل عليك والنكير، وخاصة إن كنت تعلن أنك تمارس النقد والمراجعة من داخل الفكر الذي تراجعه.‏

نعرف أن هذا الضرب من القابضين على الماء والهواء لا يدركون المعنى الحديث والعميق للنقد، فهم ما قرؤوا إيمانويل كنت ولا مارتن هيدغر ولا ميشيل فوكو ولا فتحوا لسان العرب لقراءة شرح مادة «النقد» وليس مطلوباً منهم أن يفعلوا ذلك حكماً، لكن عليهم في أقل حال ألا يطلقوا ألسنتهم في نصوص غيرهم بعدة وعتاد هزيلين فلا يجدون ما يكتبونه سوى ترتيل مبادئ وعموميات تعلموها حديثاً وكأن غيرهم ذاهل عنها، وكأن المسألة تحل بمجرد ترديد قاعدتها كما قال عبد الله العروي يوماً.‏

يشبه هذا الكتاب أن يكون استئنافاً لمراجعة بدأتها قبل عشر سنوات وصدرت في كتاب قبله، ولكن بينما كان موضوع الكتاب السابق الحركة القومية العربية فإن موضوع الكتاب هذا الخطاب القومي العربي، ومع أن الصلة بين الموضوعين ليست منفصلة ولا متباعدة في الواقع، حيث لا سبيل إلى نقد حركة سياسية من دون نقد خطابها، ولا سبيل إلى تناول خطابها بمعزل عن حراكها السياسي فإن بينهما فرقاً من وجهة نظر الدراسة والبحث.‏

الخطاب في هذا الكتاب يختلف في معناه عما ألفناه في دراسة الحركات الاجتماعية والسياسية فهو هنا ليس الخطاب السياسي ( الحركي) للحركة القومية العربية، لأن مكان تناول هذا النوع من الخطاب هو دراسة الحركة السياسية وهذا ما تضمنه الكتاب السابق، إنما الخطاب الفكري الذي أنتجته نخبة من المفكرين والمثقفين العرب الملتزمين بالقضايا القومية.‏

أما لماذا أطلق المؤلف على الكتاب اسم الخطاب القومي بدلاً من الفكر القومي فيقول: لهذا صلة بما يرد في هذا الكتاب من نقد له ينتهي إلى التمييز بين معنى الفكر كمنظومة من المعارف مبناها على التماسك النظري والتأسيس المنهجي والخطاب كمنظومة من الرسائل الايديولوجية الموجهة لأداء أغراض اجتماعية وإلى تصنيف القول القومي ضمن منظومة الخطاب، ولم يكن تصنيفه إلى خطاب - على هذا المقتضى- حطاً منه على الرغم مما قد يوحي به النقد الشديد لمفاهيمه وتصوراته في الكتاب ويضيف المؤلف: حاولنا أن نتناول بالمراجعة والنقد طائفة من أهم مفاهيم الخطاب القومي العربي مثل: الهوية، العروبة، الوحدة العربية، الثقافة القومية، الأمة ، الدولة في القسمين الثالث والرابع من الكتاب، وخصصنا فصلين ( التاسع والعاشر) لدراستين تطبيقيتين في فكر اثنين من أهم المفكرين القوميين العرب في القرن العشرين هما ساطع الحصري ونديم البيطار.‏

في شرعية الايديولوجيا‏

تحت هذا العنوان يقول المؤلف: الايديولوجيا مشروعة في حدودها المشروعة، ولولا ذلك ما كان نضال المفكرين والعلماء من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والبيئة وحقوق المرأة مشروعاً في عالم اليوم، ولا كان نضال أسلافهم قبل قرنين ضد الملكيات المطلقة وحكم رجال الدين ومن أجل التوحيد القومي مشروعاً. كانوا علماء وفلاسفة ورجال قانون ومفكرين اجتماعيين أو اقتصاديين، ولم يكن نضالهم من أجل تلك الأهداف فعلاً معرفياً بل نضال سياسي ايديولوجي سخر المعرفة لذلك الغرض.‏

ليس من مسألة ايديولوجية أشد ايديولوجية من السياسة لأنها وطيدة الصلة بالمصالح الاجتماعية، غير أن ماكل صلة بالسياسة هي صلة ايديولوجية على وجه الضرورة، إن كان أمرها كذلك عند من يخوض فيها من موقع الممارسة فهي لا تكون كذلك في حالة من يتخذها موضوعاً للتفكير العلمي أو في حالة من يقصد إلى تأسيسها على القواعد النظرية، ولقد كان في تاريخ الإنسانية هذان النوعان من العلاقة بالسياسة علاقة إيديولوجية جسدتها الممارسة والممارسون السياسيون والمفكرون في السياسة تفكيراً ايديولوجياً، وعلاقة نظرية فكرية علمية جسدها المفكرون من فلاسفة السياسة وعلمائها، ولذلك من الخفة وقصر النظر حسبان ماهو ايديولوجي أنه بعيد دائماً عن ضفاف الفكر .‏

أقسام الكتاب:‏

يضم الكتاب بيبن دفتيه مجموعة أقسام ويستغرق 287 صفحة من القطع الكبير.‏

القسم الأول تحت عنوان «في تاريخية الفكرة القومية العربية» ويضم فصلين: الفكرة القومية التاريخ والشرعية وفكرة وأربع إشكاليات .‏

القسم الثاني: «بدايات ،مآلات، ذرائع» يبحث في الشرعية وأزمتها وعوامل الإخفاق- بين التفسير والتبرير.‏

القسم الثالث: «مراجعات مفهومية» ويضم مراجعة نظرية لمفهوم الهوية وفي مفهوم العروبة والوحدة العربية ونقد فرضية التجانس الثقافي.‏

القسم الرابع: «في الأمة والدولة والوحدة» ويضم: الأمة في الخطاب القومي العربي ونقد قوانين الوحدة.‏

ما يميز هذا الكتاب أن المؤلف لم يكن إلحاحه في النقد على الايديولوجيا باسم المعرفة، ولا مسعى في نقض شرعية الفكرة القومية لمجرد أنها فكرة أيديولوجية، ذلك أنه دعا إلى إعادة بناء الفكرة القومية على مقتضى نظري ومعرفي رصين وهي دعوة ايديولوجية في مطافها الأخير، ولو أنها تلح على التأسيس النظري والمعرفي لهذه الفكرة الايديولوجية.‏

اسم الكتاب: نقد الخطاب القومي - المؤلف: الدكتور عبد الإله بلقزيز - الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية‏

Yemenabbass@gmail.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية