الكاتب يجلس إلى طاولة، ويسند يده على كرسي، واليد الأخرى يقرأ بها شيئاً ما... يرسم على وجهه نصف ذقن وابتسامة بليدة. بينما يستقرّ ( الغليون ) على طرف فمه كأداة تعريف لا يستطيع الفكاك عنها، وماذا في الأمر؟ لا شيء، كل شيء عادي حتى الآن... ولكن المشكلة قد بدأت عندما قلت التعليق المناسب... فقد ضجّ صاحب الصورة، حمل صورته ومضى عنّا... وعلى ذلك ستسألون أيضاً، ما الذي أغضب صديقي الكاتب، في التعليق الذي قلته، مع أنني لم أقل إلا نصف الحقيقة، ماذا يوحي إليكم، الكاتب الجالس في مكان فارغ من البشر تحيط به المقاعد والطاولات، كان تعليقي هو “ الكاتب والجمهور “ وأنتم لكم حرية التعليق الذي تريدونه. ولن يغضب منكم أحد كما فعل الكاتب صديقي.
ومرة نشرت قصة قصيرة أغضبت صديقاً آخر من الكتاب، فقد اعتبرها موجهة إليه، وملخصها أن أحد الشعراء أخذ عدة دواوين من شعره الخالص وذهب إلى مربع ثقافي ليلقي شعره في أمسية ولنقل بكل جرأة “ شعرية “... وعندما وصل إلى المكان المنشود لم يجد أحداً سوى المسؤول الثقافي، وبعد حوار قصير بينهما اتفقا على أن يلقي الشاعر شعره للمسؤول الثقافي الذي اعتذر بعد قصيدة واحدة، لأنه راح يسعل بشدّة.
لكن ذلك لم يهم الشاعر وراح يتابع إنشاد روائعه على حفلة الكراسي والتي هي الأخرى راحت تنسحب من المكان وهي تسعل سعالاً عنيفاً. وذلك أيضاً لم يهم الشاعر الذي تابع إلقاء معلقاته رغم إطفاء الأنوار وإغلاق الأبواب.
... في إحدى الأمسيات التي احتفل بها في دمشق ألقى أحد الشعراء بعضاً من قصائده وقد حضر المثقفون من كل مكان لتكريم هذا الشاعر المبدع، بعضهم جاء من لبنان، وبعضهم من مصر، والأردن، وباقي الأقطار العربية. بالإضافة إلى تجمع من كل أنحاء سورية، حتى إن الشوارع كانت مختنقة بزحام البشر، ومن شاهد ذلك، قال: إن الثقافة ما زالت بخير، وأيقنت بالفرق بين كاتب وآخر، وإلا فكيف نفسر ظهور شاعر واحد يتربع على عصر بكامله لا ينازعه أحد؟