إذاً هي حقيقة العلاقة بين واشنطن وأنقرة التي ظهرت من خلال تصريحاته تلك على الرغم من كل المزاعم والتأويلات عن توتر العلاقة بينهما على خلفية ما يسمى «المنطقة الآمنة» المزعومة، والتي تطفو على السطح بين الحين والآخر معطيات تفضح المصالح العدوانية المشتركة التي تجمعهما، مفنّدة كل تلك المزاعم عن الخلافات.. فنقاط التلاقي بالأطماع تجعل من الطرفين أكثر تشبثاً مرحلياً بالآخر.
ولم يعد يخفى على أحد بأن نقطة التقاطع في المصالح بين شريكي الإرهاب التركي والأميركي ظهرت من خلال الاتفاق المبني على أجنداتهم العدوانية بشكل يلغي من خلاله كل التجاذبات التي كانت حاصلة ويطوي صفحات الخلاف إذا ما كانت صحيحة.. في حين يؤكد مجدداً بأن كل تلك الخلافات بين الطرفين هي مجرد بروباغندات إعلامية.
تصريحات غراهام بحسب بعض المحللين تأتي بهدف التخفيف من حدة التوتر الحاصل بين الطرفين التركي والأميركي، بسبب مشروع ما يسمى «المنطقة الآمنة» المزعومة .
فأنقرة ترى في المماطلة الأميركية لتطبيق «المنطقة الآمنة» المزعومة نوعاً من التهرّب الأميركي والسعي لتقديم مزيد من الدعم لمرتزقة «قسد» واستمرار التعاون الأميركي مع الميليشيا التي تصنفها أنقرة تنظيماً إرهابياً.
ومن منطلق ذلك واصل الإخواني أردوغان منذ شهور محاولاته لإجبار الولايات المتحدة على القبول بخطته المعروفة باسم «المنطقة الآمنة»، معرباً في الوقت ذاته عن الاستعدادات لتنفيذ المهمة بمفردها دون الحاجة لأحد بحسب الرواية التركية.
الرفض الأميركي أو المماطلة لموضوع «المنطقة الآمنة» المزعومة ينطلق بداية من رؤيتها الاستراتيجية التي ترسمها للمنطقة.. فهي ترى أي الولايات المتحدة في مشروعها مع الميليشيا الانفصالية خطة إقليمية لا تقتصر على سورية فحسب، ففي حال تمكّنت من إحياء أوهام فدرلة كردية قد تشجّع بذلك الانفصاليين في الدول المجاورة للقيام بحركات انفصالية تضعف من نفوذ وقوة تلك الدول، فالمشروع الأميركي في الجزيرة السورية هو نواة لمشروع إقليمي في المنطقة ولا يقتصر على سورية فقط.. لكن بحسب المعطيات كافة هو أمر لا يوجد أي معالم لنجاحه.
إجراءات أميركا بخصوص «المنطقة الآمنة» المزعومة بحسب بعض المتابعين شكلية وتهدف إلى إعادة التأثير الأميركي في سورية، وهي على الرغم من تصريحاتها التطمينية لأردوغان إلا أنها تلعب معه لعبة «العصا والجزرة» فيما يتعلق بمصالحها، فهي تجعل دائماً من أردوغان مطيّة لتحقيق مصالحها وتهدف إلى حرق أوراقه في الوقت الذي تراه مناسباً وتركله إلى هامش الأحداث.
في المقابل ومن الواضح والمعلوم فإن مرتزقة «قسد» ستكون الخاسر الأكبر في كلا الحالتين فيما إذا تم هذا الاتفاق أو لم يتم، وسيجدون أنفسهم مجدداً مطية الأهواء الأميركية التي تتخلى عنهم في الوقت الذي تراه مناسباً للوقوف على مصالحها، فهي على الرغم من دعمها لهم إلا أنها بنفس الوقت لا تستطيع التخلي عن تركيا بسبب عدة عوامل إضافة لموقعها السياسي والجغرافي في المنطقة، وهو مضمون التصريحات الأميركية التي جاء بها السيناتور غراهام المقرّب من ترامب.