بمعنى آخر، منذ البدء بعملية الحل المتأصل في آب ٢٠١٤ وحتى آخر شهر من حكم أوباما، امتنع البنتاغون عن استهداف جبهة النصرة والتي يطلق عليها اليوم هيئة تحرير الشام. في تشرين الثاني ٢٠١٦ نشرت الواشنطن بوست: «وفق مسؤولين رفيعي المستوى طلب أوباما من البنتاغون قتل القادة الذين تجاهلتهم إدارته والذين يحاربون الحكومة السورية.. ويظهر هذا القرار إلى أي مدى كانت أولوية أوباما بمحاربة مكافحي الإرهاب في سورية».
هذه المقالة التي لم تحظَ بأي صدى وسط الصحافة الفرانكوفونية مهمة جدا. في الواقع، نستخلص أن البيت الأبيض كان يعتبر جبهة النصرة وسيلة للضغط على القوات السورية وحلفائها، وهي حقيقة مزعجة أكدتها مقالة البوست. كبار المسؤولين الذين أيدوا تقلبات الرأي أكدو أنه لم تعد تستطع إدارة أوباما آنذاك المضي بعد مع ما أطلق عليه تسمية «معاهدة الشيطان» التي تمتنع بموجبها الولايات المتحدة عن استهداف النصرة، هذه المجموعة التي تسهل لأميركا في عمليات ضغطها على الحكومة السورية. بالتأكيد لا يعني استثناء جبهة النصرة أن الولايات المتحدة لم تستهدفها مطلقا حتى الآن، وكما كتب المتخصص تشارلز ليستر تم تسجيل أكثر من ٥٣ غارة أميركية بالدرونات على أهداف للنصرة في إدلب وحماة وذلك في الفترة الواقعة بين أيلول ٢٠١٤ وشباط ٢٠١٧، وهذا بعد إغلاق روسيا للمجال الجوي في هذه المنطقة في وجه أميركا وأغلب الضربات قادتها الـCIA. مع ذلك وعلى نقيض ما قاله تشارلز ليستر فإن ٥٣ غارة لا تشكل «حملة مكثفة» وخاصة أن عددا منها استهدف مجموعة خراسان الإرهابية التي تخطط لهجمات ضد الغرب.
بالإجمال، حين نقارن بين الـ٥٣ غارة التي استهدفت النصرة مع ضربات على داعش في الرقة والموصل والتي تجاوزت آلاف الغارات نكتشف أن جبهة النصرة لا تشكل هدفا أوليا للولايات المتحدة وحلفائها على الأقل حتى خريف ٢٠١٦. بالنسبة الوقت الحالي ماذا نفهم من سياق محاولة استعادة إدلب من جانب دمشق وموسكو؟ فيما يبدي الدبلوماسيون الغربيون قلقهم حيال العواقب للدفاع الروسي ــ السوري في إدلب نلاحظ وجود العديد من الدلائل تؤكد تخوفهم من الإرهاب في الوقت نفسه.
بدايةً دعونا نتذكر تصريح رئيس أركان الجيش الفرنسي فرانسوا لوكوانتر في تموز ٢٠١٨ أمام لجنة الدفاع الوطني: «إدلب هي منطقة حرجة منذ سنتين، حيث تمّ تجميع الإرهابيين فيها.. وأصبحت مركزا لتجمع الإرهابيين الذين يخططون للقيام بعمليات في أوروبا ولا سيما في فرنسا.. ومن المستحسن التخلص من هذا الجيب». بعبارة أخرى، الهجوم الروسي ــ السوري هو حاجة غربية تسكن في هواجس تخوف فرنسا من عودة الإرهابيين. كما أشار الجنرال لوكوانتر إلى أن قصر الإليزيه قد لايعارض الوسائل التي تستخدمها روسيا وسورية لاستعادة إدلب.
من الجانب الأميركي، صرح مسؤول التحالف لمكافحة لداعش بريت ماكغورت «أن إدلب أصبحت أكبر ملجأ للقاعدة منذ ١١ أيلول»، وأصبح هذا الجيب مشكلة كبيرة حيث يصل فيها عدد أفراد جبهة النصرة إلى ٢٥ ألفا فيما استهدفت ضربات متفرقة المديرين التنفيذيين لهذه المنظمة منذ عام ٢٠١٤. ووفقا للخبير سام هيلر قررت موسكو ودمشق تعليق إطلاق النار من أجل تعزيز مكاسبهما الإقليمية والإعداد للمرحلة القادمة من هجومهما. في الحقيقة يرغب الغرب في إعادة إحياء جيب إدلب، ولكن تبقى ذريعتهم المدنيين، وفي هذا السياق ينسى الكثيرون الوجود الهائل لأفراد القاعدة في المنطقة ويدينون التعاون الروسي السوري.. وكما أوضح الخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش تتمثل استراتيجية موسكو ودمشق بـ «دفع المدنيين باتجاه الحدود للخروج وقد تم فتح المعابر وبالتالي عزل الإرهابيين في جنوب إدلب..»
هذه هي الحقيقة على أرض الواقع التي تخبئها القوى الغربية لمكافحة الإرهاب. هؤلاء الذين يدينون ضرب موسكو ودمشق للإرهابيين في إدلب لابد أن يتأكدوا أن أي قوى غربية دعمت المجموعات الإرهابية ضد الحكومة السورية سنراها اليوم توافق على استعادة إدلب عسكريا كما تنبأ فريدريك بيشون في العام الماضي.لأنها تخاف ارتداد الإرهاب وسيكون من المثير للاهتمام معرفة أنماط «الاستدارة» الفرنسية تجاه روسيا حول مسألة الإرهاب في سورية، والتي أشار إليها سيرغي لافروف بعد لقائه بنظيره الفرنسي جان-إيف لودريان ووزير الدفاع فلورونس بارلي.