في اضطهادهم وجعلهم عبيداً، فحرموا من أبسط حقوقهم الإنسانية وحمّلوا أشد أنواع الأعمال وأشقاها، وهنا بدأ التعبير الإبداعي الكتابي عن مشاعر وتجارب السود بروايات العبيد، مركزاً الأدب الأميركي الأسود على العنصرية والعبودية والحرية، وهو ما سلط عليه الضوء في المجلة الفصلية «الآداب العالمية» التي يصدرها اتحاد الكتاب العرب في سورية تحت عنوان «الحركة الواقعية الجديدة في الأدب الأميركي-الأفريقي» الأدب الذي شهد منذ عام 1970 حتى وقتنا الحاضر تغييراً في بعض النواحي لكن المظهر الاحتجاجي بقي ثابتاً، إلا أن شكل التعبير عن الاحتجاج تحول من الاستراتيجيات السرية إلى استراتيجيات بلاغية أكثر علانية، وكان لهذا التغيير في الاستراتيجية أثر في تغير الجمهور، فقد كان على بعض الكتاب الأوائل إخفاء المعلومات، وذلك رغبة في تجنب القول المباشر حتى لا يسيئوا لأي من القراء، فقد كان في نية الكتاب الأميركيين- الأفريقيين الأوائل الإقناع باستخدام الأمثلة والتشابيه والاستعارات وغيرها من الأدوات الأسلوبية الأخرى.
تصدر غلاف المجلة عنوان «بريد السماء الافتراضي» وهو حوار مع الشاعر والفيلسوف فريدريك نيتشه الذي يسأل: «هل يوجد هنا تمثال للحرية كذلك الشبيه بنيويورك؟ يجيب نيتشه أجل لقد تم نقله من أمريكا إلى هنا، بعد نفاد الحاجة من وجوده أمام مبنى الأمم المتحدة، فشبيهي ترامب اليوم، هو السوبرمان، وقد يكمل الفصل الأخير من النيتشوية على الأرض، الأمر لا يتطلب غير كبس اصبع زر واحد ليكون العدم».
لم يصدق العديد من البيض في مرحلة العبودية أن السود عانوا من الوحشية التي كانوا يدّعونها، لذلك تحدث الكتاب السود في قصصهم عن العبودية، والتطلع إلى الحرية، بغية استعطاف وتحفيز أولئك الذين لديهم القدرة على فعل شيء لتحسين أحوالهم.
ولا تزال عناصر الاحتجاج في الأدب الأميركي-الإفريقي في أواخر القرن العشرين العنوان السائد في التقاليد الفنية للسود، فهناك توازن بين أهمية الشكل والمضمون، ولكن خلافاً لذلك فقد امتاز أدب الجماليات عند السود بإيصاله للرسالة.
قصة «السمكة الصغيرة السوداء» لكاتبها صمد بهرنكي واصفاً الانعتاق والتمييز العنصري « قالت السمكة السوداء لسمكات البركة « لو كنتم تدركون أو تفهمون لعرفتم أن الكون مليء بالموجودات السعيدة الهانئة ذات الأشكال المتنوعة والمتميزة ولكل منها اسمه الخاص! أما أنتم حتى اسمكم ليس ملكاً لكم!».
وكذلك علت أصوات الشاعرات الأفريقيات الأميركيات فعبرت عن سياسة العرق والنوع والتوجه الجنسي بأساليب عميقة، لم توظف لورد شعرها، لمكافحة العنصرية وحسب بل لتعزيز الحركة الأنثوية وفي تلك المرحلة ظهرت «ريتا دوف» أول شاعرة سوداء حائزة على جائزة الولايات المتحدة والتي كتبت عن القضايا العنصرية وتناولت عناوين أخرى مثل العلاقة بين الأم والابنة.
بينما تنضم «رواية «صمت البحر» للكاتب الفرنسي «جان بروليه» إلى الروايات التي قاومت العنصرية والاضطهاد، تساؤل يطرحه المترجم: هل عرف الأدب الفرنسي مفهوم الأدب المقاوم، وهل عاش أدباء فرنسا آثار الاحتلال وويلاته، وهل كتبوا أدباً مقاوماً؟! نعم، ولبيان مدلولات هذه الكلمة فتلك الرواية للكاتب الفرنسي «فيركور» وهو اسمه الأدبي المختلق اقتضته ظروف الاحتلال الألماني للأراضي الفرنسية في الحرب العالمية الثانية! فقد كانت هذه الرواية من بين خمس وعشرين رواية مقاومة كتبت أثناء فترة الاحتلال الألماني للأراضي الفرنسية وقد وزعت جميعها ليلاً وخفية كمنشورات سريّة، وقد درست هذه الرواية في المدارس الفرنسية وباتت وجهاً من وجوه الأدب الفرنسي المقاوم للاحتلال الألماني كما باتت وجهاً من وجوه الروائي الرفيع.
مقتطفات من أجمل الروايات المترجمة والأبحاث النقدية والدراسات العالمية جمعتها ثلّة من الباحثين والكتّاب من أعضاء الاتحاد الكتّاب العرب، مستهلة بقلم رئيس تحرير المجلة «بديع صقور» تحت عنوان «لا تعترض طريق الشمس» مختاراً: تجاهل الإسكندر طلب «ديوجين» وعلى رأس جيوشه الجرارة، اندفع غازياً أرض الشرق، وبلاد فارس والكثير من بلدان العالم محاولاً اعتراض طريق الشمس، غير أن الشمس لم تهمله طويلاً، فأخمدت أنفاسه فوق تراب بابل..وحين أشرقت أيبسته كعود الحطب.. ويوماً إثر يوم نخر الدود عظامه.. وفتكت النزاعات بقواده وغنائه.. وإلى اليوم ما تزال الشمس تشرق، دونما أي اكتراث بالغزاة والطغاة الذين يحاولون اعتراض طريقها الجميل.