تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فــي يومهــا.. جبـور: هكــذا ولـــد يـــوم اللغـــة العربيـــة..

ثقافة
الاثنين 3-3-2014
هفاف ميهوب

في الوقتِ الذي يتكالبُ فيه أعداء عربيَّتنا سعياً لجعلنا أمَّة لا تجيدُ النطق إلا بالبربرية الهمجية.. أمَّة لا تجيد قراءة أبجديتها إلا بما يناسب هزائمها الإنسانية قبل اللغوية.. في هذا الوقت, ولأننا لم نقتبسْ من اللغة العربية إلا ما لاءمَ عقولنا المكلَّلة بهزائمِ الكلمات.

. الأنانية والتسلّط والقتل والاغتصاب وإلغاء الآخر وعبادة الشهوات.. لأجلِ كل هذا, يجدرُ بنا وبمناسبة اليوم العالمي للغة العربية, أن نسأل من عَشِقَها حدَّ ولعه بها, عما تعنيهِ له, وعما قام به للتذكيرِ بأنها كانت ولا زالت وستبقى, اللغة التي تفوقت بأهميتها ومكانتها على أي لغة عالمية.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏

من هنا, كان الباحث «جورج جبور» هو أقدرُ من بإمكانهِ الإجابة على هكذا سؤال, ولأنه كان أول من طالب بتخصيصِ يومٍ للاحتفاء بلغةٍ وجدها ومُذ طفولته الشغوفة بالقراءة, اللغة التي لا تُقهر.. اللغةُ التي كانت الأكثر قرباً من وجدانه وحياته ومثابرته.. تلك المثابرة التي لم يدعها تتوقف لدى حدٍّ من حدودِ الاهتمام والتأليف, وبدلالة كتابهِ الأخير الذي يُطلقه في يوم عيدها, والذي عنوانه «يوم اللغة العربية الأكبر». الكتاب الذي اختار أن يجيب على أسئلتنا مما وردَ فيه بادئاً، إذ قال ::‏‏‏‏‏

للمساهماتِ التي ضمَّها كتابي, صفةٌ وجدانية. إنها محاولات وفاء للغة العربية. لكلِّ مساهمة تاريخها وظروفها.. حدودها ونواقصها, وقد أبقيتها على حالها دون تنقيح, وأراها في مجملها جهداً لإعزاز لغتنا, وفي زمنٍ ما أحوجنا فيه إلى ما يجمعنا في وقتٍ يكادُ كل حيٍّ في بلداتنا يصبح أمّة, وكل قرية قارّة.‏‏‏‏‏

بدايةً, لستُ مختصاً بالعربية, وإذ أغامرُ في حقلٍ جميلٍ جذاب صعب، يلحُّ علي واجب وفاء لمن حبَّب إليَّ عشق شريكتي لثلاثة أرباع القرن. أستعيدُ معتذرا، ذكريات غالية من محطاتٍ أولى في مسيرة العشق. هي لي ولمن يستسيغها.‏‏‏‏‏

البيت أولاً. كان السيد الوالد يشجعنا على الاستماع عبر الأثيرِ إلى خطب الجمعة تمكيناً للغة, وكانت السيدة الوالدة تقدم ما يشبه أن يكون دروساً إضافية في اللغة, ومن كتاب «الشرتوني» الذي أرجِّح أنها درست فيه طالبة في المدرسة الأمريكية للبنات في طرابلس لبنان. أما العم «انطانيوس» العاطفي العطوف، فصديقه المفضل «مجمع البحرين» لمؤلفه الشيخ اللبناني «ناصيف اليازجي». كان يستظهر منه أمام أولاد أخيه فيدهشهم ويستثيرُ خيالهم بقصائدٍ من حروف تارةً كلها منقَّطة، وتارةً لا نقط فيها. ثم كان لفضيلة الشيخ العلامة «عبد اللطيف إبراهيم» حضوره الباذخ في البيت, وعبر أبيات مرسومة بخطه الجميل أهداها للسيد الوالد..‏‏‏‏‏

وأطال الله عمر أخي «قحطان» كانت له في البيت وقفات منبرية، وهو الذي اختارته إدارة مدرسته ليخاطب فخامة الرئيس «شكري القوتلي» لدى زيارته صافيتا، الأربعاء 22 آذار 1944. ثم كان لي حظ أن ادرس على يدِ فئة من المربين والأساتذة، في صافيتا ودمشق، يتعاملون مع العربية بشغف منحهم القدرة على غرسه في وجدان تلاميذهم وطلبتهم. لن أعدِّد أسماءهم من خشيتي الإطالة والإغفال.‏‏‏‏‏

أما مجمع اللغة العربية فقد دلفتُ إلى مبناه القديم في نشاطاتٍ له, منطلقاً من المكتبة الظاهرية في الخمسينات وما بعدها. كانت المكتبة والمجمع كأنهما معراج إلى فضاءاتٍ عليا. ورحم الله كبارا فيه كانوا يترددون إلى منزل العائلة في دمشق: قداسة البطريرك «يعقوب افرام الثالث»، والأستاذ الدكتور «ميشيل خوري» وحارس القانون رئيس مجلس الدولة، ولاحقاً أمين عام المجمع، الدكتور «عدنان الخطيب»..‏‏‏‏‏

جوهر الفكرة.. لابدَّ من يومٍ للغةِ العربية‏‏‏‏‏

بعد الاستهلال، أتى إلىَّ جوهر الفكرة، كن ملحداً وقرِّر: ما أهم يوم في عمر لغتنا عبر نيفٍ وألفي عام؟.. إنه، دون تردد، يوم كانت أو نزلت من السماء: اقرأ. ولا ناقض لقرارك. هكذا الأمر عندي وما أخال أحداً يخالفني فيه, ولن أحشد جيشاً من الاستشهادات وما أكثرها, ولن يطالبني أحدٌ بحشدها.‏‏‏‏‏

الحقيقة ناصعة كرائعة الشمس. كلمة اقرأ وثيقة الصلة باللغة. لم يكن البدء بكلمة منبتة الصلة باللغة أو واهية الصلة بها. لم يكن البدء: أقم أو ارتحل. كل أو اشرب. القراءة كساء اللغة, ثم إن القرآن الكريم أول كتاب جُمِعَ في العربية. هو كتابها الأول بالمعنيين. معنى التقدم الزمني، ومعنى التقدم القيمي ومعه النفوذ العملي.‏‏‏‏‏

كذلك فالقرآن الكريم مثال يُحتذى في الفصاحة العربية. هو قسطاسها. تراكيبه تقعيدها. ولا ينكر أحد أثره الحاسم في الحفاظ عليها فصحى سليمة، رغم ما تعرضت له من محاولات رأت أنها تجاري الحداثة. وحين يتبارى كهنة مستقبل اللغات في تحديد أي لغة من لغات العالم الكبرى سوف يكون لها البقاء في مدى مئات أو آلاف السنين، فإن أحداً منهم لا يجرؤ على التكهن باندثار العربية. والفضل في هذا إنما يعود في معظمه أو في كله لإيمان المسلمين بخلود قرآنهم, حتى من قال منهم بأنه مخلوق.‏‏‏‏‏

إذا كانت تلك حال العلاقة بين القرآن الكريم وبين اللغة العربية، فهل يمكن حتى لملحدٍ إنكار أن يوم اللغة العربية الأول والأكبر إنما هو يوم بدء التنزيل الشريف؟...‏‏‏‏‏

كل عربي مدقق لغوي‏‏‏‏‏

أطلقت في شباط, شعاراً لليوم عنوانه: كل عربي مدقق لغوي. ذوى دون أن يضع بصمة على يوم اللغة المحتفى به. ويطيب لي الآن أن أعدل صياغته لكي لا يمس مشاعر أحد من مكونات عروبتنا التعددية. أكتبه مجدداً شعاراً ليوم لغتنا العربية القادم إلينا قريباً: كل محب للعربية مدقق لغوي.‏‏‏‏‏

ثم في أوائل عام /2012/ أحببت إطلاع القارئ على مسار فكرة أصبحت يوم اللغة العربية. نشرت كراساً احمر متواضع الحجم طويل العنوان: يوم اللغة العربية في أول آذار من كل عام- مذكرات شخصية عن معالم من الجذور والولادة. جعلت إهداء الكراس إلى القادة العرب المجتمعين في قمتهم الدورية في العراق. ناشدتهم اعتماد يوم بدء التنزيل. حظي الكراس باستقبال ممتاز في الصحافة السورية، لكنني لست واثقاً من وصوله إلى القمة.‏‏‏‏‏

ثم في مؤتمر المجلس الدولي للغة العربية (ببيروت،) تابعت الدعوة عبر محاضرة أثارت حماسة عارمة. إلا أنها افتقدت إنشاء آلية متابعة. واستمرت الجهود طيلة عام /2012/ منسجمة مع الظروف المتاحة. حتى إذا كان يوم الأمم المتحدة للغة العربية في 18/12/2012 ألقيت كلمة نشرتها جريدة البعث (19/12/2012). كانت لي إثرها مع الصديق رئيس لجنة التمكين وبمبادرة منه، مناقشة بشأن ما يمكن فعله ضمن واقع أليم هو تغييب سورية عن جامعة الدول العربية, ومنظمة التعاون الإسلامي.‏‏‏‏‏

أيام للعربية..‏‏‏‏‏

ولم لا؟ تبنت الأمم المتحدة يوم 18/12 من كل عام يوماً للغة العربية. هل نلغيه؟ كلا. بل نعتبره رديفاً. ويمكن أن نثبت له صفة إنه يوم اللغة العربية العالمي.‏‏‏‏‏

كذلك تبنت الألكسو الأول من آذار يوماً للغة العربية يتناسب - كما في حيثياته - مع المتطلبات التربوية. ويمكن أن نتبناه ونطلق عليه اسم يوم اللغة العربية التربوي.‏‏‏‏‏

ومن الممكن اعتماد أيام أخرى للغة العربية، أيام رديفة كاليومين السابقين.‏‏‏‏‏

ما جرى في الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس في دمشق , يوم 29 حزيران 1897, حين هتف المؤمنون: نريد بطريركاً يتكلم لغتنا، ما جرى آنذاك - وقد اعتبره الأستاذ «ساطع الحصري» أول إنجاز فعلي للقومية العربية- حدث تاريخي من المناسب أن يكون له نصيب لدى إقرار فكرة الأيام الرديفة، وهذا حديث آخر.‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية