تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عمريت ..عالم من الفن والتاريخ

الملحق الثقافي
12-2-2013م
على بعد سبعة كيلومترات إلى الجنوب من مدينة طرطوس، ترقد آثار إحدى أبرز مدن الساحل الكنعاني الفينيقي. وتذكر النصوص القديمة أن عمريت هي المدينة الرئيسة لمملكة أرواد الفينيقية، أو هي الامتداد القاري لها. ويخترق هذه المملكة الجميلة نهر مارتياس، أو كما يطلق عليه نهر عمريت.

منذ عام 1697 بدأت الرحلة الاستكشافية في عمريت، وقد وضع الرحالة البريطاني ماوندريل وصفاً لمعبد المملكة الكبير، وتوالت محطات الوقوف عند آثار المملكة، حتى تم الكشف عن مجموعة من التماثيل النذري، وتمت دراستها، لمعرفة التاريخ الدقيق لها. وأخيراً استطاعت مديرية الآثار والمتاحف أن تولي اهتماماً كبيراً لهذه الآثار، وقامت بعمليات التنقيب والكشوفات الأثرية، ونفضت الغبار عن القبور الرخامية والفخارية. ومن ثم تم الكشف عن أقسام من المرفأ البحري جنوب المعبد الكبير. وتمخضت الدراسات وأعمال التنقيب المستمرة عن مدافن محفورة بالصخور ورسوم جدارية وتماثيل رخامية ونصب جنائزية.‏

وتمَّ الكشف عن أقسام هيلينيستية في الملعب وشمال شرق الملعب كما تمَّ اكتشاف معبد جديد يعود إلى العصور الفينيقية المتأخرة. ‏‏

الملفت في حضارة عمريت أن الملعب الأولمبي الموجود فيها أقدم من الملعب اليوناني، ويعد أقدم ملعب في العالم، وتؤكد الدراسات والكشوف أن الفينيقيين نقلوا ألعابهم معهم إلى اليونان. وهذا يدل على أن الألعاب والمسابقات في الأولمب كانت تستعير – إن لم نقل مأخوذة – في جزء منها الألعاب الفينيقية. وكانت تجري ألعاب الماراتون – نسبة إلى ماراتوس – في هذا الملعب.‏

أما المعبد فقد نحت في المنحدر الصخري المطل على نهر ماراتياس، ويحيط به نبع ماء مقدس، كان الفينيقيون يأتون بآنيتهم الفخارية ويملؤونها من هذه المياه بهدف الشفاء. أما المحراب فقد خصص لوضع تمثال الإله «مالكرت» الذي يشفي الناس من الأمراض.‏

في الألف الثالث قبل الميلاد، شيدت مدينة عمريت، في العصر الأموري. وعمريت هو اسم كنعاني قديم. وحين جاء الإسكندر المقدوني، سميت ماراتوس، وكانت من أكبر مدن الشرق. وخضعت لسيطرة مملكة أرواد، فكانت مركز توسع لها وتحالفت معها.‏

ذكرت عمريت في النصوص المصرية بعدة أسماء منها: مرت، أمريت، عمريد، وعرفت بقرط عمريت زمن تحوتمس الثالث. وتذكر المصادر أن هذه المدينة ازدهرت في زمن الحكم الفارسي، ومن ثم تحررت من سيطرة أرواد أواخر القرن الثالث، ونشب صراع بينهما، فدمر الأرواديون مدينة عمريت في منتصف القرن الثاني وتقاسموا أرضها. ومع مجيء الرومان فقدت عمريت منزلتها، وبقيت هكذا حتى أعادت مجدها في القرن الرابع الميلادي، وكانت نهايتها مع دخول الفرنجة واحتلالها، حيث استخدمت حجارتها لتحصين مدينتي طرطوس وأرواد.‏

تميزت عمريت بقدرة أبنائها على التعبير عن عظمة مدينتهم من خلال جلب الحجارة من مناطق مختلفة، وذلك لنحت التماثيل. وقد تأثر فن عمريت بالفن المصري واليوناني والفارسي. وقد تم العثور على لوحة من الفسيفساء قرب نهر ماراتوس. أما التأثير المباشر في نحت الآلهة العمريتية فكان من المصريين.‏

تعددت الآلهة في عمريت، وصكت النقود لها، وتدل المكتشفات على أن العمريتيين وضعوا صورة الإله زيوس على النقود، وكذلك وضعوا صورة الإله أسكليبوس والإله هرمز وهو يمسك صولجاناً عليه ثعبانان. أما المحوتات الموجود في هذه المدينة، فقد صورت زيوس وهرمز وأبولون وملكارت وأبو الهول ورؤوس الكهنة. وكان أهل عمريت يقومون بالطواف حول المعبد بواسطة الزوارق، ويقدمون القرابين للآلهة حسب إمكانيات كل فرد فيهم. منهم من يقدم طيراً أو حيواناً، أو ذهباً، أو طفلاً في حال ألمت مصيبة بالمدينة.‏

تم العثور على تمثال من المرمر يمثل الإله باخوس، على شكل طفل عار ممتلئ الجسم وبلا رأس، ويحمل بيده اليسرى عنقودين من العنب ورداء يتدلى على شكل شلال ماء. وفي عام 1996 تم العثور على مدفن فينيقي محفور في الصخر، يعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد.‏

في الجهة الجنوبية الشرقية من معبد عمريت، وبجانب الطريق العام في أرض رام الذهب، وجدت مقبرة تمتد على مساحة واسعة. ومن خلال وجود الخشب المتفحم، تم معرفة أن الدفن كان يتم بواسطة توابيت خشبية، وقد صبغ الجسد على طريقة المومياء المصرية.‏

كانت عمريت تتصل مع عالم البحر المتوسط وأرواد بمرفأ يقع جنوب نهر ماراتياس. وقد ساهمت أعمال التنقيب في الكشف عن حجارته المرصوفة، واكتشفت عندها مجموعة من التيجان الكورنثية وقواعد الأعمدة، وهي من الرخام الأبيض البلوري.‏

لا تعطي عمريت جمالها لمدينة أخرى، ولم يستطع الزمن أن يخفي هذا الجمال، أو أن يهدم حضارتها وطقوسها وتفاصيل حياة أهلها، وهو يطوفون داعين لآلهتهم أن يبقوا بخير وأن يعيشوا بسلام.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية