تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«نرجع كالريح» إشكالية ثقافية في زمن مظلم

الملحق الثقافي
12-2-2013م
معين حمد العماطوري- يشكل المسرح حالة ثقافية متجددة، فهو أبو الفنون قياساً للفنون الدرامية، وهو الحكم للفنان القادر على لعب الدور الدرامي بشكل يجعل المتلقي يعيش الحدث والنص الدرامي بشكل فني، بعد وضع لمسات إخراجية مميزة على العمل.

وزارة الثقافة/ مديرية المسارح والموسيقا/ مسرح القومي بالسويداء قدم عرضاً مسرحياً تحت عنوان «نرجع كالريح» من إخراج رفعت الهادي والنص الدرامي الدكتور محمد القارصلي.‏

اعتمد العمل على ثلاث شخصياتٍ استطاع المخرج أن يطرح إشكالية ثقافية تعمد بها إعادة الذاكرة الوطنية واسترجاع القيم القومية منذ عام 1948 حتى يومنا، إذ اتخذ من شخصيتي عادل وخليل الأوطان العربية العاشقة لأدب وفن، مجسداً كل منهما شخصية الشاعر محمود درويش والشاعر نزار قباني، وذلك بأن تقمصا شخصيتيهما في استنباط الشعور القومي بعد الهزيمة الذاتية التي شكلتها نكبة 48 ولذلك كانت حركتا الفنانين تعبيراً عن خلفية تحمل عبق الإبداع من خلال حب مكبوت، فهما لم يستطيعا المحافظة عليه فذهب كل منهما بطريقه، وبعد أربعة عقود ونيف عادا لتكون المحبوبة في استقبالهما؛ تلك هي «سلمى» التي جسدت الحلم والمرض المنبثقين من فلسطين والقضية العربية.‏

أراد المخرج أن يتخذ من سلمى حركة الفصل والوصل والرابط بين الماضي والحاضر باستحضار العاشقين بين الحلم والمرض ليكونا العاملين والنموذج في طرح دعوة جديدة نحو تنظيف الشوائب الماضية، وذلك عندما جسد المخرج في البئر بوسط المسرح، وبالتالي اتخذ من الإضاءة المتعددة دلالةً على أن النور يبزغ عندما نريد أن نشكل حريتنا.‏

المخرج رفعت الهادي بين أن العمل يقوم على أعمدة ثلاثة هي: الذاكرة والوطن والحلم، وأردت من ذلك طرح أفكار تساهم في إشكالية واقعية عندما استحضرت سلمى حلمها الموءود بعد غياب دام لعقود، وتغنى خليل الذي تقمص شخصية محمود درويش كواحدٍ من أبناء الوطن العربي العاشق لأدبه وفنه وشعره، متأثراً بما حمله درويش من ليمون فلسطين لتكون غصن زيتون في كافة الأوساط العالمية، أما عادل الذي حمل عبق ياسمين دمشق من خلال الشاعر نزار قباني ونقلها إلى كافة أنحاء العالم بشعره طارحاً الأوابد السورية بعاداتها وتقاليدها وأعرافها وشوارع دمشق القديمة وأحيائها بدلالات ورموز شعرية فأجاد بنقل هواء دمشق إلى الآخرين وجعلهم يعيشون المعيش الواقعي بين المتخيل السردي لشعره والانزياح الدلالي، إذ جعلت من استحضار الشخصيتين حالة متجددة لعاشقين أرادا محبوبتهما في لحظة واحدة إلا أن عودتها كانت من أجل حفيدتها وزواجها في اليوم التالي من لقائهما.‏

وبدوره عبر الفنان المسرحي سمير البدعيش برؤية فنية عن العرض قائلاً: هو عمل يحمل مقومات العرض المسرحي والحركات الفنية الموائمة في عالم المسرح حيث كانت الإضاءة منسجمة مع حركات الفنانين والديكور الثابت وغير المتحرك يحمل إشارات وعبارات ثقافية فنية، فهو عمل جميل بشخصياته وإخراجه ونصه.‏

ومن الشخصيات التي حملت العرض المسرحي الفنان أكرم غزلان الذي أوضح قائلاً: أردت إيصال أنه يمكن لأي مواطن عربي سوري يحمل تاريخ بلده ووطنه نقل المآثر الاجتماعية والفكرية والسياسية إلى العالم أجمع بكلمة شعرية ظاهرها الحب والإبداع وباطنها القلب المجروح في الوطن، أي بمعنى يمكن لأي منا أن يكون نزار قباني بثقافته وانتمائه.‏

أما الفنان فراس حاتم الذي لعب دور خليل فقد أشار إلى أهمية العلاقة بين قضية فلسطين الأم وما يحدق في الوطن العربي من أحداث ووقائع، فقد قال: أردت من دوري خليل استنهاض الحركات الوطنية المقاومة وجعل فلسطين المحور في طرح إشكالياتنا الثقافية والإبداعية من خلال الحب الذي فشلنا به وفشلت قضيتنا مع هذا الحب، لعل معانقتي مع عادل الشخصية الدمشقية هو تجسيد وامتداد لمقاومةٍ ثابتة في سبيل نفض غبار التعب عن أردان القضايا العربية بعد أن وقفنا مع الحلم والذاكرة والحب أمام البئر الذي يمثل المشاكل والمعوقات لوطننا العربي.‏

وأخيراً يمكن القول إن مسرحية «نرجع كالريح» تحمل بعداً ثقافياً في طرح وإعادة بناء الروح القومية الثورية بحداثة ومعاصرة واسترجاع واستنهاض رموزنا الإبداعية الذين شكلوا في الماضي إضاءة على حقبة زمنية كانت مظلمة في تاريخنا المعاصر، ذاك العرض المسرحي يستحق الوقوف عند قضايا كثيرة منها: أهمها الاستهلالية في الموسيقا التي مزج بها المخرج بين الشرق والغرب باستخدام مقطوعة موسيقية فيها آلات الشرق والغرب مثل الكلارينيت والكمان وبين المشاهد والمقاطع آلة العود بطريقة تكنيكية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية