وكانت خطوة تسجل لوزارة الثقافة عندما أعادت هذه الفرقة إلى الساحة مرة أخرى بعد توقفها للأعوام لأسباب نجهلها إلى اليوم ولكن نستطيع أن نعتبر هذه الخطوة بمثابة الاعتراف بالذنب فضيلة ويمكن أن نغفر للوزارة نحن جمهور الفن السوري العريق باعتبارها تراجعت عن خطأها وأعادت هيكلية الفرقة من جديد وهاهي تستعيد عافيتها وتقدم حفلات كما كانت بل وأفضل.
العناية بالتراث السوري العريق
يقول الموسيقي نزيه أسعد قائد الأوركسترا في فرقة أمية: «منذ تأسيس فرقة أمية في أوائل الستينيات من القرن الماضي اتسمت هويتها بالرجوع إلى التراث السوري القديم وبمعالجة كل ما يتعلق بالفلكلور من حيث الألحان والكلمات والأزياء المختلفة، فبدأت هنا المهمة الصعبة في ارتشاف كل ما يتعلق بهذا الإرث الثمين، فهناك الرقصات الشعبية الخاصة بالطقوس العامة كالأعراس ومناسبات الفرح والجلسات النسائية في دمشق وحلب وحمص وحلقات الذكر الدينية والمولوية، إضافة لإحياء الموشحات الأندلسية والكلاسيكية، استمرت فرقة أمية في هذا المشوار الجميل والصعب لسنوات طويلة، وجالت بلدان العالم ولاقت فنونها المتنوعة استحساناً».
تأسست فرقة «أمية» للفنون الشعبية عام 1960 من الطلاب والطالبات الهواة. وفي عام 1964تغير هيكليتها وتضمنت مجموعة من الفنانين والفنانات الذين يعملون في مجال الفنون الشعبية والموسيقا والغناء وتفرغت جميع عناصر الفرقة للعمل الفني. وأصبحت في عمل دائم ومستمر للمشاركة في الفعاليات الفنية المحلية والعربية والدولية، ووضعت على عاتقها مهمة الحفاظ على التراث الشعبي «رقص، موسيقا، غناء، أزياء» والعمل على تطويره وجعله ملائماً للشكل الفني المسرحي الذي يغني التراث ويواكب التطور والحداثة ولم يبق مسرحاً في الوطن أيضاً إلا وقدمت فرقة أمية أكثر من عرض عليه.
عروض تراثية
يقول الأستاذ غازي العماري الذي واكب الفرقة لسنوات طويلة كمدير ومدرب الرقصات: «يؤلف الفن الشعبي في بلاد الشام ثروة وطنية تناقلتها الأجيال إلى عصرنا الحاضر وهو زاخر بألوانها المتعددة ما يعطينا صورة مشرقة عن ماض مازالت أصداؤه تحيا فيناً .لقد خلد الشعب السوري حياته في تراثه الشعبي الذي كان رفيق حياته في الحقل والمرعى والبحر والمعبد في الأفراح والأتراح وفي نضاله ضد الاستعمار وصار مع الزمن إرثاً وطنياً يعتز به، وإن عروضنا في فرقة أمية تنتمي إلى مناطق سورية مختلفة غايتها تقديم صور مسرحية راقصة عبر الغناء الشعبي، وهي دلالة على هذا الفن الشعبي الغني والمتنوع والمتعلق بشدة بسورية الغنية بطوائفها وأقلياتها المتنوعة، هي خطوة نحو تطوير هذا الفن الشعبي ,والحاقه بالفن العالمي الذي بات جزءاً من تراثنا وثقافتنا الشعبية».
توقفت الفرقة فترة من الزمن في بداية عام 2000 ثم استرجعت حيوتها المعتادة بحفلات متعددة على مسرح الحمراء ودار الأوبرا وهي الآن تحاول النهوض من جديد بعد فترة ركود دامت أكثر من خمس سنوات.
أمية تتألق من جديد
وتجسد هذه الانطلاقة الجديدة بحفل أقيم قبل أيام وجيزة على مسرح الحمراء بدمشق ضمن الاحتفالات بميلاد الرسول الكريم تحت عنوان «نفحات صوفية» حيث جالت متألقة من خلال حفلها هذا بين الفن الصوفي بمعالمه العريقة من النوبة والابتهال والمولوية هذا التراث العربي الجميل الذي يجذب الأنظار في أرجاء المعمورة إلى وقتنا اليوم، وبدأت الفرقة بقيادة الموسيقي السوري نزيه أسعد بسماعي نهاوند للراحل عدنان ابو الشامات، أدتها بلمسة أوركسترالية موزعة موسيقياً يجسد روح الأصالة والمعاصرة وخاصة في تنوع الآلات الموسيقية التي كانت تفتقدها الموسيقا الشرقية عبر التاريخ حيث كانت تقدم السماعيات واللونغات والبشارف بتشكيلة تخت شرقي ولذلك نستطيع القول بأن الفرق التي تقدم هذه الألوان الموسيقية اليوم بالتشكيلة الأوركسترالية بإنها تعطيها روح الحداثة حتى لو أدتها باللحن الواحد.
أغنى أنواع الموسيقا
وتضمنت الأمسية أيضاً موشح «املالي الأقداح»، وقسمت أمية لوحاتها المتميزة بدقتها وانسيابها فمن لوحة النوبة الشاذلية مروراً بمقطوعة ابتهالات دينية بصوت المغني السوري عبد النور بلكه. والابتهال والانشاد هو أغني أنواع الأداء الموسيقي سواء في المقامات أو أسلوب الأداء, فهو يعتبر مصدرا للتعلم, حيث استقي كل من الشيخ أبوالعلا محمد وسلامة حجازي وزكريا أحمد وسيد درويش وأم كلثوم معطيات الموسيقي ومفرداتها من معين الابتهال الديني، وحالة الابتهال الآن بمرحلة» الاضمحلال» ويرجع أسباب ذلك إلى أنه لم يعد هناك من المناسبات مايستوجب أداء الابتهال, وكذلك التغير الثقافي من إزاحة وإحلال, فبدلا من مدرسة المشايخ أصبح الآن المعاهد الموسيقية, والمساحات الضيقة في وسائل الإعلام المختلفة, وإن وجد شيء فهو مبتسر ومجزأ وغير متقن، ولذلك ما تقدمه فرقة أمية من الابتهال يندرج ضمن محاولة الحفاظ على هذا الثراث العريق.
ونجح موسيقيو فرقة أمية في حفلها هذا في نقل كثافة الحالة الصوفية من الأداء الحركي التلقيني إلى رحابة العرض.
انسجام الموسيقا واللوحات الراقصة
وعن تفاعل الموسيقا مع اللوحات الراقصة يقول لنا الموسيقي نزيه أسعد: «تم عملية اعداد هذه المواد موسيقياً بالإتفاق مع مصممي الحركة فأثناء العودة للألحان الأساسية للعمل يجري بعض الضبط والتدقيق على أداء الألحان سواء من خلال الغناء أو العزف الآلي ومن ثم يتم تقديم هذه المواد لمصممي الحركة في الفرقة بشكل شبه نهائي وبالطبع يظهر اللحن الأصلي بطلاً هنا ولا يمس بأي تشويه وتتم عملية الرقص على أنغام تلك الموسيقا».
وقدمت الفرقة أيضاً النوبة الرفاعية، وقبل أن ينتهي الحفل بلوحة مولوية عزفت الفرقة مقطوعة آلية بتوزيع موسيقي موفق.
و تميز الحفل الذي نظمته مديرية المسارح والموسيقا بلوحة النوبة الشاذلية التي أداها أكثر من ثلاثين راقصاً وراقصة بمرافقة قرابة خمسة وعشرين موسيقياً ومنشداً ومنشدة.
الطريقة الشاذلية
والشاذلية تنسب إلى أبي الحسن الشاذلي علي بن عبد الله الخمسي الغماري المغربي «المتوفى سنة 656/1259»، تلميذ عبد السلام بن مشيش. ويرجع التصاق نسبة الشاذلي به إلى استقراره مدة بشاذلة بضواحي مدينة تونس، في أثناء رحلته إلى الحرمين الشريفين بقصد أداء فريضة الحج. ولد بقبيلة الأخماس من بلاد غمارة شمال المغرب وموضع ولادته هناك معروف مشهور، تستمد الطريقة الشاذلية مشروعيتها من اعتمادها على الالتزام بالكتاب والسنة، والعمل على التوفيق بين العلم والتصوف، أو ما يصطلح عليه بالتوفيق بين الشريعة والحقيقة، أو بين علمي الظاهر والباطن، قد أوضح مؤسسها أن التزام الطريقة ليس معناه الرهبانية، والابتعاد عن متطلبات الحياة. ومن ثم فهي طريق الوسطية، تدعو إلى عدم التفريط واجتناب الإفراط، في كل شيء؛ سواء تعلق الأمر بالمعاش أو المعاد. وهذا ما يعبر عنه «بالصبر على الأوامر، واليقين في الهداية، والتيسير والتبسيط، ونبذ الرموز الفلسفية الغامضة، والشطحات الصوفية الشائنة، والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله..». وتقوم الشاذلية على الذكر، وبخاصة لا إله إلا الله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. لكن مؤسسها لم يشترط اتخاذ الشيخ، حيث يمكن للسالك أن يترقى بدون وساطة. ولم يشترط العزلة، ولا اتخاذ الربط والزوايا.
رقص السماح
ولم يخل هذا العرض من لوحات رقص السماح هذا الفن السوري الذي نشأ في بلدة منبج القريبة من حلب. وأصل الكلمة طلب «السماح» للبدء بالرقص من صاحب الدار أو رئيس الفرقة، أو ربما تحريف لكلمة «السماع» وهو مصطلح كان يطلق على الموسيقى. والسماح رقص حشمة وأدب، تؤديه مجموعة تحت قيادة رئيس الفرقة. ويقوم على خطوات لليمين أو الشمال، أو للأمام والوراء، مع «سكنات» موقعة متناوبة يتلوها «نقر» برأس القدم أو الكاحل مع بسط القدم للأمام أو رفعها أو نهز الجسم كله لفوق والنزول به ثم السكون في الموضع، أو دوران الجسم كاملاً أو نصف أو ربع دورة، إضافة إلى حركات انسيابية لليدين. ساهم كثير من الموسيقيين السوريين في إحياء رقص السماح وتطويره، ولعل أهمهم أبو خليل القباني وعلي الدرويش وعمر البطش.
الحب في التواصل والتدريب
يقول الموسيقي تيسير علي مدير الفرقة الحالي: «أن لكل إنسان طريق يسلكه من أجل الوصول إلى رضا الخالق من خلال الذكر والابتهال والتذلل للواحد الأحد والرقص الصوفي هو نوع من أنواع الذكر عند متبعي الطريقة الصوفية ويسمى أحياناً رقص سماع ويكون بالدوران حول النفس والتأمل الذي يقوم به من يسمون الدراويش بهدف الوصول إلى مرحلة الكمال ويهدفون إلى كبح شهوات النفس والرغبات الشخصية عبر الاستماع إلى ذكر الله والتفكير فيه».
قال أيضاً: «إن هذا العرض تطلب ثلاثة أشهر من البروفات المتواصلة ليتبين لي مدى استجابة فناني أمية لتوقيت التدريبات وحبهم ورغبتهم في إعادة مجد اسم الفرقة إلى مساحات المهرجانات الدولية كفرقة سورية تحمل في برامج حفلاتها جماليات التراث السوري وثراءه الأخلاقي والمعرفي والحضاري فأمية في ذاكرة الكثيرين من أولى الفرق التي أخذت على عاتقها توثيق التراث الشعبي في الوطن ولهذا سترى اليوم عرضاً يتناسب مع تاريخ طويل من الهواجس الإبداعية لكل مشارب وألوان الثقافة السورية الغنية بمفرداتها الشعبية وجملها الراقصة وأهازيجها من الشرق وأعلى الجزيرة العربية إلى ساحل المتوسط ومن شمال الوطن في حلب وإدلب مروراً بحماة وحمص ودمشق حتى جبل العرب جنوباً».
وأنهى حديثه قائلاً: «أتمنى في هذا الحفل أن أكون قد حققت القليل من طموحات الفنانين الذين اشتغلوا معي على مدار الفترة الماضية فسورية بلد عريق يتألق دوماً من خلال انفتاحه على الآخر وثقافاته المتنوعة ولذلك نقدم هنا تلك النكهة الخاصة رقصاً وإنشاداً وغناءً».
أقلام عربية تمدح أمية
خير ما رأيت أن أنهي هذه الكلمات عن فرقة أمية للتراث الشعبي التي تتبع لمديرية المسارح والموسيقا وأعطت لسورية الكثير بنص كتب في إحدى الجرائد الجزائرية وبمناسبة الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007 عندما شاركت بعدة حفلات هناك تحت عنوان «فرقة أمية السورية وجولة فنية في ربوع الجزائر» حيث يقول كاتب النص: في إطار تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ، قامت فرقة «أمية للفنون الشعبية» من سوريا بالتعاون مع الديوان الوطني للثقافة والإعلام بجولة في عدة مدن جزائرية قدمت فيها عروضا فنية في كل من سطيف ، بسكرة والجزائر العاصمة . حيث أمتعت الجمهور الجزائري المتعطش للتراث الفني والموسيقي السوري الضارب بجذوره عبر التاريخ . فرقة «أمية « للإشارة هي فرقة شعبية تأسست سنة 1960 وهي من بين الفرق المرموقة بسوريا الشقيقة ، تعنى بالمحافظة على التراث الشعبي والمتمثل في الرقص والغناء والموسيقى .الجولة الفنية هذه سمحت للجمهور الجزائر عبر المدن التي حطت الفرقة الرحال بها عن التعرف على كنوز السورية والتي تتقاطع كثيرا مع الثقافة الجزائرية بحكم التاريخ المشترك الذي يجمع الشعبين الشقيقين . حيث استمتع الجمهور الجزائري أيما استمتاع بتلك اللوحات الفنية الراقية التي عبرت عن عمق التاريخ الثقافي السوري المتجذر.