ويوماً بعد يوم تتوالى الأخبار العسكرية عن سيطرة هذه القوات على المدن المتمردة في شمال مالي والتي حاول المتشددون الاسلاميون السيطرة عليها وسقوط هذه المدن الواحدة تلو الأخرى بيد القوات الفرنسية بعد تحريرها من المتمردين الاسلاميين . ورغم كل هذه الانتصارات لقوات التدخل الفرنسي السريع في مالي فانه مازال في طريقها الكثير من العقبات والعثرات التي تعيق حركتها وربما تجبرها في بعض الأحيان على التراجع الى الوراء . فقوة المتطرفين الاسلاميين تبدو كبيرة ومثيرة لقلق القوات الفرنسية، فالطائرات العسكرية الفرنسية التي حلقت في مالي وخاصة في شمالها اخترقت أكثر من مرة جدار الصوت أثناء قصفها لمواقع المسلحين الاسلاميين التابعين للقاعدة ومحاولتها قطع الامدادات عنهم وبالتالي منع وصول أي مؤازرة عسكرية الى هؤلاء المتمردين والتشويش على وسائل الاتصال بينهم من أجل حصارهم في موقع واحد من أجل القضاء عليهم .
على ما يبدو أن الفرنسيين لم يحسبوا أبدا حسابا لقوات الطوارق المالية التي اتحدت مع المتمردين في الشمال وعينها على الاستقلال عن مالي واقامة امارة اسلامية في الشمال منفصلة عن الدولة الأم. الناطق باسم القوات الفرنسية في شمال مالي أعلن عن اعتقال اثنين من قادة الطوارق على الحدود الجزائرية وهم ينوون الهرب الى داخل الأراضي الجزائرية ومعلوم منذ أيام كيف كانت النهاية المأساوية لأزمة الرهائن في أن أميناس المجمع النفطي الأول في الجزائر .
هذه الأزمة التي أثارت حفيظة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على المتمردين الاسلاميين في شمال مالي وربما قد يكون لمقاتلي الطوارق يد أيضا في أزمة أميناس والتي جاءت ردا على التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي التي أصبحت باعتراف الكثيرين موطنا آمنا للإرهابيين الذين احتلوا الشمال وحاولوا فصله عن الدولة الأم ناهيك عن معاناة أهل الشمال المالي من هؤلاء المتمردين الذين خربوا مدينة تيمبكتو الاثرية وعاثوا فيها فسادا واجراما وما فعله هؤلاء المسلحون برأي أهالي المنطقة يعد وصمة عار في تاريخ مالي ويجب محاسبتهم حسابا عسيرا برأي سكان تيمبكتو لاعتدائهم على الأماكن المقدسة ونبشهم لقبور بعض الرموز الدينية الهامة لمدينة تيمبكتواالأثرية التي تعد معلما أثريا هاما لدولة مالي .
تيمبكتو التي تحوي بين طياتها آثارا تعكس التاريخ الحضاري والديني لدولة مالي ويعود تاريخ هذه الآثار الى القرن الخامس عشر وتفتخر مدينة تيمبكتو بوجود المقامات المقدسة على أراضيها . المتشددون الاسلاميون في شمال مالي أرادوا تحطيم هذه الآثار وهذه المقامات المقدسة في تيمبكتو بحجة أن هذه المقامات هي لأناس عاديين ولا يجوز للماليين زيارة هذه القبور وهم يريدون بذلك القضاء على اسطورة سيدي ياها الذي يعد مرجعا دينيا هاما في مالي وهو عبارة عن جامع أثري وديني يزوره الماليون بقصد الصلاة والدعاء وهناك معتقدات دينية لدى الماليين بأن نهاية العالم ربما قد اقتربت بعد تطاول هؤلاء المجرمين المتطرفين على مقدسات مدينة تيمبكتو . وأن ما فعله هؤلاء المتشددون بمساعدة مقاتلي الطوارق الذين جمعتهم المصلحة المشتركة مع المتمردين المتشددين في الشمال وهم يتبعون تبعية مباشرة لتنظيم القاعدة ويأتمرون بأمرها . تدمير هذه الأوابد التاريخية في تيمبكتو جاء نتيجة لضعف الروح الوطنية لدى الشعب المالي الذي سمح لهؤلاء الأوغاد بتدمير حضارتهم وثقافتهم عندما أمن لهم حاضنة للإقامة بينهم وهم الذين اعتدوا عليهم وعلى ممتلكاتهم وهذا ما عبر عنه أحد الشبان المتحمسين لحضارة بلاده حيث أبدى هذا الشاب خوفه من أن تمتد هذه الاعتداءات من قبل هؤلاء المتطرفين الذين دمروا المدن المقدسة في تمبكتو ومدن أخرى في شمال مالي هذا عدا عن معاناة أهل الشمال من خطف أولادهم وشبابهم وزجهم قسرا في معسكرات تابعة للمتمردين ليصبحوا جنودا محاربين وارهابيين وقاطعي طرق ومن يخالف هذا الأمر من الشباب المختطفين يقتل بعد تعذيبه .
القوات الفرنسية حاولت شق الصف بين المسلحين ومقاتلي الطوارق ومحاولتها الاتفاق مع الطوارق ضد المتشددين في الشمال لتحقيق الانتصار الكبير وسحق هؤلاء المتشددين الاسلاميين الأمر الذي رفضه مقاتلو الطوارق وأرادوا ضمانات حقيقية لتوقيع هدنة مع الفرنسيين وهذه الضمانات قد تمتد الى طلب مساعدتهم في تحقيق الانفصال عن مالي واقامة دولة لهم في الشمال وأن هذا سيبقى المطلب الأول والأخير لمقاتلي الطوارق ولن يساوموا عليه ابدا فرنسا ولا الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد أن تقدم معونات عسكرية للقوات الفرنسية في شمال مالي هذا ما قاله جوزيف بايدن عندما التقى الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في فرنسا .
لقد اخبر بايدن الرئيس الفرنسي بأنه على القوات الفرنسية انهاء العملية العسكرية في مالي في أقرب وقت وهذا مطلب الولايات المتحدة وكل المجتمع الدولي لترك المهمة بعد ذلك لقوات الأمم المتحدة لتأخذ دورها الحقيقي في مالي وتحقق الأمان للشعب المالي الذي افتقده طويلا بسبب وجود هؤلاء المتطرفين الاسلاميين في شمال بلادهم .
بقلم:سكوت ساير وستيفن ايرلنجر