فمنذ انتخابه أول مرة تجنب الرئيس أوباما التطرق إلى هذا الموضوع الشائك أو شن أي هجوم على لوبي حمل الأسلحة في الولايات المتحدة خوفاً من انعكاسات ظاهرة «آلغور» كما يسمونها الذي دمر مستقبله السياسي هذا اللوبي، وكان آلغور مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة الأميركية عام 2000 قد تجرأ وطالب بتقليص حمل الأسلحة في بلاده لذلك ابتعد أوباما خلال حملتيه عن ذكر أي إشارة إلى هذه القضية والتي تحولت إلى آفة تنخر جسد المجتمع الأميركي .
هذا وقد بدأت مشكلة حمل السلاح تتفاقم منذ ثلاثة عقود أي مطلع التسعينيات حين وصلت ميزانية اللوبي المذكور( 4،3 مليون عضو) إلى 228 مليون دولار ليتجاوز عدد قطع السلاح من نوع البنادق الآلية فقط عدد سكان الولايات المتحدة أي هناك 290 مليون قطعة نارية من هذا النوع مقابل 311 مليون نسمة مع العلم أن شراء الأسلحة من نوع كلاشيما على سبيل المثال في ارتفاع مستمر ماأدى إلى زيادة استيراد هذا المنتج الذي يباع في المخازن الصغيرة بأنواعها بنسبة 50٪ ومنذ ثمانينيات القرن الماضي كان كل مواطن أميركي من أصل ثلاثة يملك سلاحه الناري الخاص في جيبه وبيته وسيارته ومكتبه وقد يملك هذا المواطن الأميركي عدة أنواع وأجناس من أسلحة قاتلة مع اتساع رقعة صناعة الموت تلك على هامش ارتفاع معدلات الجريمة في بلاد العم سام.
فالبند الثاني من الدستور الأميركي ينص على أن الدفاع عن النفس حق مشروع في دولة حرة ويعود هذا البند إلى أيام الحرب الأهلية الأميركية التي شطرت البلاد إلى نصفين ولايات شمالية وأخرى جنوبية تتصارع وتتسلح للدفاع عن مصالحها السياسية وكان قانون الميلشيات قد وقع عليه جورج واشنطن آنذاك ليغدو هذا البند أحد أعمدة التاريخ والثقافة الأميركية لأنه يسمح لكل مواطن حمل سلاحه دون قيد أو شرط.
إنه حق شخصي على غرار ممارسة الطقوس الدينية وحرية التعبير رغم أن عصر الاستعمار البريطاني والهنود الحمر قد انتهى إلا أن حمل السلاح بات ضرورياً وفي العام 2008 كان القضاء الأعلى في الولايات المتحدة قد أعطى أنصار البند الثاني من الدستور الحق في تفسيره كما يشاؤون مما يؤكد أن لوبي بيع الأسلحة النارية واسع النفوذ ويعتبر وول مارت أول بائع أسلحة نارية في الولايات المتحدة اليوم وتسري قوانين شراء الأسلحة والسماح بها في 34 ولاية على الأقل ويقترح هذا اللوبي 800 مشروع قانون يخدم هذا التنظيم بدءاً بقانون «دافعوا عن أرضكم» المعمول به في ولاية فلوريدا.
ويكتشف الشعب الأميركي أن هناك عدة قوانين تبيح القتل وتشجعه دون دافع مشروع والحوادث كثيرة جداً كمجزرة الصالة السينمائية في كولورادو التي أدت إلى إبادة 12 شخصاً و58 جريحاً كذلك الأمر بالنسبة لحادثة مماثلة في معبد للسيخ في فيسكونتي قتل خلالها أكثر من سبعة أشخاص وكان ميت رومني منافس أوباما قد أعلن في حملته الانتخابية أنه من أنصار تشجيع حمل السلاح في كل مكان ولأي كان، أما الرئيس أوباما وحزبه الديمقراطي فلم يتطرقوا أبداً لتلك الأحداث واكتفى الرئيس بالقول: يجب تدقيق وسائل تقليص العنف.
هذا وينتمي لوبي حمل السلاح لحزب المحافظين الذي يطالب بإلغاء قانون حظر بيع الأسلحة الذي سن أيام إدارة كلينتون عام 1994 وانتهت صلاحيته عام 2004 ليجني اللوبي من هذه التجارة سنوياً 200مليون دولار أرباحاً صافية يتم توظيفها في تجارة إثارة الخوف في الأوساط كافة ضارباً عرض الحائط بمطالب 700 عمدة في المدن الأميركية أعلنوا عداوتهم جهاراً لحمل السلاح.
وتعتبر فيلادلفيا أضخم ميتروبوليا أميركية تسجل أرقاماً قياسية على صعيد الجرائم المرتكبة بحق المواطنين ومن المعروف أن لوبي الاتجار بالسلاح ناشط في أوساط الكونغرس الأميركي حيث يتمتع أنصاره بنفوذ كبير حتى في البيت الأبيض ويتصدى أنصار اللوبي في الكونغرس لأي قانون يحول دون تقييد حرية استخدام السلاح في الشارع والأماكن العامة والعمل، كما أدخل الحزب الجمهوري العام الماضي في الكونغرس قانوناً يبيح لأي حامل سلاح ناري التجول في أي ولاية دون أن يخضع للمساءلة .وكانت محكمة فيلادلفيا قد سعت لاستصدار حكم إدانة كريستيان هول في آب الماضي لكنها فشلت وكان هول قد قام بشراء أسلحة وبيعها مع مخازن ذخيرتها لمجموعة من العصابات وعثرت الشرطة على إحدى البنادق في مسرح الجريمة كما اختفت الأسلحة الأخرى واستحق هول السجن لمدة خمس سنوات غير أن حملة لوبي التسلح ذات النفوذ الواسع لم تتوقف عن الدفاع عنه وعن إطلاق شعارات مثيرة للرعب مثل: «إن الأمم المتحدة تتآمر على الولايات المتحدة» أيضاً: هم يريدون نزع الأسلحة من أيديكم لتصبحوا تحت رحمة المجرمين واللصوص.
ويراهن حزب اليمين المتطرف على تلك الشعارات ويدفع الشباب الأميركي لأحضان الجريمة والتسلح بالقوة....