أو تدخل بمنطق القطع وأسلوب المفاجأة من الخارج وفي الأحوال كلها مازال الحدث السوري يقدم دروساً ثلاثة أولها يتصل بمشروعية الموقف وإرادة المواجهة وخزان التضحيات وهذا درس الدروس كلها ليس لواقع الصراع الراهن.
فحسب وإنما لما هو مقبل من مخاطر وتحديات على إيقاع الزمن المستقبلي وثانيها أن للباطل جولة ثم يزول وللحق جولات ما تلبث أن تفرض انتصارها طال الزمن أم قصر والباطل لن يكتسب إهاب الحق مهما ضخت إليه من مبررات وأسباب ومهما غلّف بأستار التمويه والمباغتة واختطاف ألوان السلام والعدل والمشروعية إن في التاريخ معياراً لا يخطىء لأنه مزيج إشعاعات العقل على الواقع واندفاعات الواقع في تصانيف العقل وقد يحدث أن تنطلي الحيل والظروف على البعض لبعض الوقت ذلك أن عالم اليوم متداخل حتى النخاع والأعصاب ،وما حصل من ثورة في الاتصالات وانفجار في تكنولوجيا نقل المعلومات كل ذلك أدى وظيفة(التمثيل) ولكن الحقيقة عبر قيم الوعي والواقعية ما زالت قادرة على عزل الزيف عن الحقيقي وطرد عناصر التضليل بالتدريج وإنارة المنعطفات الضيقة والمظلمة في نهاية الأمر، والدرس الثالث هو الناتج الصعب والمتبلور بآن واحد والذي يدل على أن القوى الكبرى ومشاريعها الأكبر لن تستطيع أن تخترق مساحة العقل والعدل والوعي في نهاية الأمر.
وما عادت المسألة عبر الدرس السوري الراهن تتعلق بمعادلة القوي والضعيف أو الكبير المستحكم والصغير القابض على أصله وحقه كمن هو قابض على الجمر المسألة في الدرس السوري هذا قلبت الموازين المعتادة تماماً فالمؤمن على ضعفه المادي والكمي يتملكه هذا الشعور الذي لا ينضب بأنه أمسك بقدره حينما أمسك بموجبات صموده، وللحق منابعه التي لا تنضب وللإيمان عطاياه التي تجسر هذه الهوة ما بين كمال الحق وقلة ما في اليد من أسلحة، وعندها ينقلب السحر على الساحر فأميركا الدولة الكبرى تمارس سياسات صغرى وعائلات المال الحرام بالمليارات تفقد كل رصيدها أمام الوعي وخزان البطولات، هذا درس سوري بامتياز، لقد اجتمعت الدنيا المختطفة كلها كي تدمر الوطن السوري والدنيا واسعة جغرافياً ولكنها صارت محاصرة محصورة في هذه اللحظة، وسورية ضيقة جغرافيا ولكنها اندفعت وتدافعت حتى صارت أكبر مواقع الأرض مساحة سياسية وخبرة نضالية، ومن الدروس الثلاثة تتقدم فكرة تحيط بها جميعاً وهي أن الحق والتضحيات في سبيل الحق معيار نوعي يضيء على قدر ما يحرق وينمو على قدر ما يقدم من شهداء.
إن السياسة في المحصلة ليست كلام وقائع ولكنها بالنموذج السوري لغة الصمود ومرجعية الشعوب حينما تتوحد تماماً مع قضاياها وتلتزم تماماً بصياغة واقعها ومستقبلها معاً ولهذا السبب فإن الداخل السوري بآلامه وآثامه معاً هو الذي يحرك الواقع الإقليمي والدولي ونحن نتابع التلازم العضوي بين نبوغ الداخل والتحولات في الأفق الخارجي في معادلة عكسية تماماً وهكذا فنحن باستمرار محتاجون ومدفوعون للانطلاق من الأزمة بكل ما فيها ولإطلاق وعي الأزمة على كل ما فيها، ذاك أنها مركبة بمعنى أن الأهداف المرصودة منها كبيرة وخطيرة وأن القوى المنخرطة فيها كبيرة وخطيرة أيضاً وأن الأساليب والوسائل الموضوعة تحت تصرف الإرهاب كبيرة وخطيرة أيضاً وذلك يعني بالضرورة أن نعيد بناء ذاتنا في أصول مواجهة واسعة وعميقة كالذي يحدث وأن نسترد بدون اضطراب عوامل ومصادر الأزمة من منابعها ومصادرها لأن الوقوف عند بوابات الأزمة بطريقة وصفها أو رفضها لا يكفي رغم أهميته فالمشهد الواقعي يمتد من مخيم اليرموك إلى واشنطن ومن مطار تفتناز العسكري إلى السعودية والميدان بهذا المعنى أكبر مما نتصور ولذلك قلنا أن نتيجة القوى المندمجة في المؤامرة وأسلحتها التي لم تدخر فرصة تكنولوجية معاصرة إلاّ واستخدمتها إنما يعطينا ذلك كله هذه الرؤية المناسبة للإحاطة بالصراع القائم ولبناء موقف متطور وحيوي في الداخل السوري يعادل أبعاد هذا الصراع وأول ما يكون ذلك في أن نرتقي إلى مستوى عقل الأزمة وسلوك الأزمة ومسؤولية الأزمة.
والمقدمة المضمونة لذلك هي أن نعيد حساباتنا الفردية والجماعية وأن ننفض عن جذورنا الوهم والوهن وأن نتحرك كأفراد وجماعات منظمة أو غير منظمة على أساس آخر يستبقي من الماضي نسق القيم والمناقب السورية المتوارثة والمتواترة تاريخياً، لكن في إطار ما يعني إعادة التكوين للفرد والمجتمع والوصول بدءاً من جوف الصراع إلى الهدف المشترك وهو أننا معنيون جميعاً بإعادة النظر في ذاتنا وفي واقعنا بما يؤكد الوصول إلى إنتاج نظام سياسي جديد أساسه الوطنية والتشاركية والتعددية، وهنا نلحظ أن عملية الاقتحام للإرهاب لابد من أن تتلازم مع عملية الاقتحام للذات وللواقع الموروث، وإذا كانت بطولات شعبنا وقواتنا المسلحة قد أنجزت هذا المدى من المواجهة والتضحيات.
فلا يجوز أن يتخلف عن هذه الكرامة البند الخاص بالذات السياسية والاجتماعية والفكرية والمسألة واحدة موحدة فالمقاتل الصامد هو المؤمن والملتزم والمثقف والرسالة واحدة عندها إذ من خلال مساحة الوطن الجغرافية والبشرية سوف نكون قصة جديدة على العالم إطارها العام أن القوى الاستعمارية بكل ثقلها وقوتها العسكرية والعلمية وبكل خبرتها العاتية في نهب العالم والسيطرة على الشعوب لا تستطيع أن تدمر إرادة وطن مثل سورية وهكذا سيكون الدرس الأبلغ في المعركة الراهنة هو أن الشعب الحي يستمر حياً وبالمحصلة فإن أمم الأرض كلها سوف تستفيق على هذا الدرس وهذه العبرة وسوف تكتسب دوافع جديدة للصحوة على الذات ولمقاومة الموجات الاستعمارية، ونعلم الآن مدى الخوف والهلع الذي يتحكم في التفكير والممارسة الاستعمارية عبر معركة سورية الكبرى، إنهم مصابون بحالة من الهيستريا لأن البنية المركزية للهدف قد تهمشت في أجزاء منها وتحطمت في أجزاء أخرى تحت تأثيرات الموقف السوري الوطني المتنامي باستمرار.