تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الفن كتعبير عن الثقافة الشعبية

الملحق الثقافي
الثلاثاء 15-5-2012
يمكن لأي منا أن يطلق على قطعة ما بأنها «فن»، ولكن علينا أن نتساءل: ما هي الخصائص المتوفرة في هذه القطعة، التي تجعلنا نعتبرها فناً؟ هل تختلف نظرتنا إلى قطعة ما عن نظرة غيرنا لها؟

إن مصطلح فن وفنان ومرادفاتهما، ظهرت في الغرب لأول مرة في عصر النهضة. ولذلك فإن أي وصف لقطع مشغولة في العصور الوسطى بأنها «فن»، يعتبر إعادة تفسير الماضي في ضوء اهتمام خاص لحظي. وهو أمر لا يتعدى الاستحواذ على الماضي وادعاء الخبرة الاحترافية به والتحكم فيه.‏

ويرى ديفيد إنجليز بأن فكرة الفن هي اختراع غربي، والمجتمعات خارج الغرب لا تمتلك في الواقع بالمعنى الدقيق «فناً». إذاً، فهل المجتمعات الغربية المعاصرة فقط هي التي تمتلك فناً؟؟ ويورد إنجليز مثالاً عن رسومات أبناء القبائل الأسترالية الأصلية التي تعرض في المتاحف الغربية على أنها «فن»، ويقول إن هذه الأغراض «قد مرت بعملية إعادة تفسير منظمة بالنسبة إلى قيمتها ووظيفتها، بشكل مغاير لطريقة فهمها في سياقها الاجتماعي الأصلي. في حين أن هذه الأشياء في الأصل كان ينظر إليها من قبل الشعب الذي صنعها واستخدمها كقطع ذات مغزى ديني أو احتفالي. أما عندما يطلق عليها التصنيف الغربي «فن» في سياق متحفي، فإنها بذلك تفقد معناها الثقافي الأصلي، ويكون قد أعيد تعريفها من وجهة النظر الغربية».‏

وفي هذا السياق يمكن أن نفهم لماذا يرى أرنست فيشر أنه «يوجد في الفن شيء من بقايا الطلسم والسحر». ولماذا يعود ويصر على «أن الجمال أو العمق في الفن ما بقي فيه من سحر. إذ لا يزال الفن يطرح سؤالاً أكثر مما يطرح جواباً».‏

يرى أحدنا أن هذه القطعة تعد فناً جيداً، فيما يرى آخر – ينتمي إلى فئة اجتماعية أخرى – أنها فن رديء أو فج. وقد عبر عالم الاجتماع كارل مانهايم عن هذا قائلاً: «إن كل مفهوم، وكل معنى ملموس، إنما يمثل بلورة لتجارب مجموعة معينة». لذلك فإن تعاريف ما هو فن وما ليس بفن، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعمليات الصراع والتضاد بين الجماعات الاجتماعية المختلفة. ويذهب مانهايم أبعد من ذلك، إذ يرى أنه في المجتمعات «التي يرتكز النظام السياسي والاجتماعي فيها بشكل أساس على التمييز بين أنواع البشر «الأعلى» و»الأدنى»، كذلك ينشأ تمييز نظير لذلك بين الأشياء «الأعلى» و»الأدنى» من المعرفة أو المتع الجمالية». فحيث يوجد تمييز طبقي، فإن الثقافة ستقسم على النسق نفسه، وستوصف ثقافة الطبقة الحاكمة بأنها «عليا» وثقافة الطبقة المحكومة بأنها «أدنى». وربما تكون المجموعات المهيمنة إما طبقات اجتماعية أو جماعات اثنية أو غير ذلك.‏

هذا التمييز، جعل بعض المثقفين الأمريكيين من ذوي الأصول الأفريقية، يدعون بأن اللائحة المرجعية الكبيرة من الأعمال العظيمة في الأدب «جوزيف كونراد، هنري جيمس وغيرهما» والتي كانت تدرس في الجامعات الأمريكية حتى وقت قريب، هي اختلاقات نابعة من مركزية أوروبية، وليست تصويراً محايداً لما يشكل أدباً مهماً.‏

برز جامباتيستا فيكو من بين أوائل علماء اجتماع الفن، الذي رأى أن لكل ثقافة أسلوبها الخاص، وذهب إلى أن الثقافة هي بمنزلة روح المجتمع التي تنفخ فيه الحياة، وفن المجتمع هو الأشد تعبيراً عن هذه الروح. وعلى هذا الأساس «يمكن النظر إلى الإنتاج الفني، بوصفه تعبيراً عن أعراف وتقاليد المجموعة، وليس تعبيراً ذاتياً عن مزاج شخصي لفرد». ثم ذهب فيكو أبعد من ذلك، إذ قال إنه لا يوجد فعلياً، في الثقافة الإغريقية، أحد يدعى هوميروس، بل إن الحكايات التي نسبت إليه هي من إنتاج مؤلفين مجهولين في الثقافة الشفاهية الإغريقية. وبما أن الشعب الإغريقي هو هوميروس، فإن الأعمال الأدبية في الواقع منتجات تعبر عن الثقافة الشعبية لذلك الزمن، ولا تعبر عن عبقرية فردية.‏

وذهب القديس أوغسطين إلى القول إن كل ما خلقه الإنسان من فن ذي قيمة يرمز إلى الحقيقة، والحقيقة ترتبط بالجمال، والفن يعكس بعض صور هذا الجمال. إذاً فبمقدار ما يتفق الفن مع حقائق الإيمان، وبمقدار ما يعكس التناغم أو الانسجام والتآلف في قدرة الخلق الإلهي، يكون له ما يبرره.‏

يقول بريخت: «الفن هو وثيقة تاريخية، ولكن ليست بالتالي كل وثيقة تاريخية هي فن». إذاً الفن في نظر البعض – وبينهم بريخت – هو ما يدل على ثقافة شعب، ويميز حياته وفكره وعمله ومعتقداته، وحتى طريقه تعامله مع الطبيعة وماوراء الطبيعة أيضاً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية