تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


والخريف يزهر أيضاً

شباب
2012/5/14
ريم بزال

بدأ الفجر يشق رحم العتمة، تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود ودفء الموج يغريني أن أبقى هنا على هذا الكرسي.

في الأفق تلوينات مبدعة، زهرية متمازجة بالزرقة، وصخب الموج ممتع كدارٍ يزدحم فيها الأطفال ..‏

داري أنا لم يكبر فيها طفل، و لا اصطخب جرياً في الردهات ،ولاعبث وكسر أواني المطبخ، ما خربش يوماً بأصابعه الصغيرة على الجدران، ولا رمى كرته في استهتار على الثريات والأباجورات ...‏

لم ينبهني من نومي ليلاً صوته يبكي من أثر حلم مزعج ولا تشاجرت معه من أجل كوب الحليب صباحاً قبل أن يأتي باص المدرسة، يمتعني أن أرى الأطفال في الحي يلبسون الزي المدرسي ويمضون صباحاً .. ما في بيتنا طفل !‏

أهب اهتمامي لزهور الشرفة الملونة سوسنات ونسرينات وخزامى وجوريات.. حمر وبيض وورديات أنيقات، إكليل جبل بنفسجي، وإبرة راعٍ مهمل ...يتوزعن في الأصص الفخارية يشاركنني عبق قهوة الصباح عندما يغادرني، و حديث المساء معه إذا عاد لي.‏

في رحلة أخرى نستقل صفحة الماء البحرية بقاربنا الصغير أجلس قبالته وجهاً لوجه.. ومرة ضائعين في شعاب جبل ثلجي، نرتجف خوفاً من صوت الذئاب ولما وجدنا كوخاً مهجوراً جعلناه ملاذاً دائماً .. مخدتي استقرت على مسند الكرسي وألقيت برأسي عليها، أتحسس بأصابعي نتوءات ناعمة عند حاشية الوسادة، تطريز لاسمي واسمه بالأزرق يحيط به إكليل من زهور برية ملونة .‏

- لماذا الأزرق؟‏

- مكاتيب العشاق زرقاء!‏

أحتاج وجهه الآن أن يستقر بين يدي مقابل وجهي لأدير حواراً مع عينيه وأتنشق دفء الأنفاس، حين تغزو تلك الكهرباء الغريبة نهايات الأصابع فترتعش أطرافي و قلبي وجداً، خصلات رمادية بدأت تغزو شعري وظلال عاتمة تستوطن ماحول المقلة وعقارب الساعة مسرعة في مشيتها‏

- هذه ليست تجعدات الشيخوخة ، هذه غمازات الضحك..‏

أخفي ابتسامتي على جانب وجهي ..يضحك ملء قلبه و يحتويني .‏

و الثلج حل أخيراً ...ثقيلاً بارداً ..يكلل هاماتنا .. تتجذر غضون الضحك‏

وهو ما يزال بضحكته الطفولية الصاخبة يحتضن روحي .‏

برد الصباح قارص ينهش عظامي و ترتعش أطرافي له، أفكر في العودة للبيت الدافئ لأرتشف قهوتي لكن ..خليني هنا فالجمال لا يقاوم وكم من صباح آخر ينتظرني؟ لست أدري .‏

و...شالي الأزرق يحط على كتفي بحنو غريب ..‏

لا ألتفت لكن وجهه بات بين يدي فيما يركع أمامي على ركبتيه ويضع قسماته الحبيبة على حضني المقعد ليقدم لي وجهه مع فنجان قهوتي ..يحدق..‏

- البياض يغزونا‏

- نعم ...لا يرحم‏

- و الساعة تتآمر علينا ...أدركها منا الملل‏

- لا يطفئ البياض شعلة السواد الساكن في عينيك ..لا يشيب، تحيطكِ شمس عندما تحدقين بي ...يشب في قلبي حريق ...عيناك نيرفانا ..فردوس يتلوه مطهر ...صيف بدائي وحشي‏

- أحب الربيع أكثر.‏

-لا جمال يضاهي أزهار الشتاء.‏

يمسك مقبض الكرسي المتحرك و يديره لنمضي باتجاه البيت/ بيتنا /!‏

من مجموعة ويزهر الخريف أيضاً‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية