وبعد أن شاهد الخراب والدمار والآلام التي لحقت بتلك البلدان نشر مقالا تساءل فيه: ( هل ستؤدي كارثة تسونامي إلى تدشين عصر جديد في عمليات السلام بما يسهل عملية توزيع المساعدات وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار في أي مكان وحسب ما تتطلبه الحاجة) .
وفيما يلي ترجمة لما جاء في مقال الرئيس الأميركي السابق كلينتون: لقد مرت أكثر من ستة أشهر على أمواج المد البحري الهائل - تسونامي- والتي ضربت احدى عشرة دولة مطلة على المحيط الهندي ما ادى إلى وفاة 200 ألف شخص ,ولامست هذه الكارثة مشاعرنا وقلوبنا جميعا كبشر وقامت حوالى 40 دولة بتكليف وحدات من قواتها العسكرية لتأمين الطعام والمسكن والماء للناجين من الكارثة وقدم الملايين من العالم التبرعات المالية الهائلة وجعلت الأمم المتحدة ومعها المئات من المنظمات الخيرية تسارع لتقديم العون والمساعدة للمنكوبين في المنطقة.
كان لهذه الاستجابة السريعة مردودات ضخمة فقد جنبت حدوث مجاعة واسعة النطاق ووفرت الوقاية من انتشار الأوبئة وبالطبع لايزال امام جهود الاغاثة مشوار طويل يجب علينا ان نقطعه, فلا يزال هناك مئات الآلاف من الناس بدون مأوى ودون عمل وهناك الحاجة لبناء الآلاف من المدارس لاستيعاب التلاميذ المنكوبين, ولحسن الحظ أن الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والدولية والحكومات ومشروعات الأْعمال والمؤسسات غير الحكومية قد تعهدت بتقديم المليارات من الدولارات لمساعدة ضحايا ( تسونامي ) على إعادة البناء بشكل أحسن.
وبصفتي مبعوثا للأمم المتحدة لجهود الاغاثة فإنني أعمل من أجل الوفاء لهذا التعهد وكي نحقق اهدافنا في هذا المجال فقد طلبت من جميع المنخرطين في جهود الاغاثة الالتزام بالاجندة التالية:
اولا: سنعمل على تطوير خطة عمل مشتركة تحدد وبشكل تفصيلي المهام المطلوبة والمكلفين بالتنفيذ ومكان التنفيذ وتوقيته لكي نتفادى الازدواجية في العمل ونضمن تحقيق الاستخدام الأفضل للموارد ونقوم بإغاثة الجميع دون أن ننسى أي شخص او مجتمع وراءنا.
فمثلا سنتفق على الحاجة إلى جهاز انذار مبكر وستحدد الخطة الخاصة بذلك الجهة المسؤولة عن توفير التمويل وكيفية بناء النظام واين سيتم وضعه وكيف سيقوم النظام بتحذير الناس في الواقع ومن الذي سيشرف على صيانته ويتأكد من امكانية الاعتماد عليه.
كما سنعمل على وضع نظام للتبليغ للتأكد من استخدام التبرعات في أوجهها السليمة كما سنعمل على تصميم بطاقة لتسجيل ما تم تحقيقه من أهداف حتى نعرف ما الذي انجزناه وما الذي يجب علينا انجازه.
ثانيا: سنعمل على تأمين مصادر الرزق للناجين من الكارثة وتمويل الانشطة الاقتصادية الجديدة من أجل رفع الدخول العائلية فوق المستويات التي كانت موجودة قبل حدوث كارثة - تسونامي - والعمل في الوقت نفسه على زيادة قدرة الحكومات المحلية والمنظمات غير الحكومية ومشروعات الاعمال على الاضطلاع بجهود اعادة الإعمار الهائلة.
وحتى نقوم بتنويع الاقتصادات المنكوبة فإننا بحاجة لتقديم قروض صغيرة وتصميم نظام ائتمان مصغر لإنشاء المشروعات الجديدة او التوسع في المشروعات القائمة حاليا.
كما يتعين علينا استعادة النشاط السياحي في المنطقة بكاملها وخاصة في جزر المالديف حيث ادى تدمير المنازل والفنادق والمنشآت السياحية وانشطة صيد الاسماك وغيرها من المشاريع إلى إلحاق خسائر بنسبة 60 بالمائة من الناتج القومي الاجمالي السنوي لذلك البلد.
وأريد هنا أن أشير إلى أن الاستثمار في أغلب المشروعات السياحية هناك مفتوح أمام الجميع والحصول على وظائف للسكان المحليين في الأعمال والانشاءات سيحتاج منا إلى تنفيذ برامج كبيرة للتدريب المهني لتخريج المئات من البنائين والنجارين والعمال والمشرفين.
ثالثاً: يتعين علينا نقل الناجين من الكارثة من الخيام والثكنات التي يقيمون فيها حالياً, إلى مساكن مؤقتة لائقة وفي أسرع وقت ممكن. وعلى الرغم من أننا لا نزال نعاني من بعض التأخير الذي لا داعي له في الحصول على الموافقات الحكومية على العقود وعلى استيراد الماكينات والمواد. لكن الملاحظ أن عدد التعقيدات الإدارية يقل يوماً بعد يوم. والشيء الجيد في هذا الإطار هو أن جميع الدول المنكوبة بلا استثناء لديها خطط جيدة ولديها الأشخاص القادرون على تنفيذها.
لكن نقص المساكن لا يزال يمثل تحدياً حقيقياً, ففي السنة الماضية وقبل حصول كارثة- تسونامي- تم بناء خمسة آلاف مسكن في سيرلانكا. في حين أن الناجين في سيرلانكا الآن يحتاجون لوحدهم إلى 100 ألف مسكن تقريباً. وفي مقاطعة- آتشيه- في أندونيسيا هناك حاجة لبناء 2000 مدرسة و200 ألف مسكن. وفي هذا الإطار, يمكنني القول وبدون مبالغة إن الولايات المتحدة ذاتها بقدراتها الضخمة كانت ستواجه صعوبات هائلة في اعادة مليون شخص من ابنائها إلى مساكنهم خلال سنة أو سنتين لو كانت واجهت ظروفاً مشابهة.
ومن الأعباء الأخرى التي تواجهنا هنا أن جهود الإعمار تحمل في طياتها مخاطر بيئية. فالأنشطة الواسعة النطاق, وغير المقيدة لقطع الأشجار بغرض توفير الأخشاب اللازمة للإعمار يمكن أن تؤدي إلى تآكل الغابات في بعض المناطق, وخصوصاً في بلد مثل اندونيسيا. كما يمكن أن تؤدي أيضاً إلى أضرار فادحة بالغابات المطرية, وإلى خلق الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى حدوث المزيد من الكوارث الطبيعية.
وما يزيد مشكلة الإسكان تعقيداً (الضحايا)-تسونامي- وهو أن العديد من صكوك الملكية قد جرفتها الأمواج.
كما أن مثل تلك الوثائق لم تكن مو جودة على الإطلاق لدى سكان القرى الصغيرة. وفي بعض البلدان المنكوبة فقد 90 بالمئة من النازحين عن ديارهم جميع الأوراق التي تثبت هوياتهم, وحالياً يقوم البنك الدولي بتمويل إنشاء نظام تسجيل قانوني في -آتشيه- لمساعدة السلطات الأندونيسية على تطوير نظام فعال لإثبات حقوق الملكية. وهذا المشروع يجب أن يطبق في مختلف بلدان المناطق المنكوبة. وبشكل خاص سيرلانكا.
وفي الختام يجب علينا أن نفعل كل ما بوسعنا كي نضمن سماع أصوات الأشخاص الأكثر ضعفاً ويجب علينا أن نقوم فوراً بإيجاد الإجابات للأسئلة مثل: هل ستشارك النساء الناجيات في تصميم وتنفيذ عملية الإغاثة? وهل ستتم حماية حقوق ملكيتهن? هل سيحصل أبناء العائلات الفقيرة على وثائق تثبت ملكيتهم, وهل سيكونون قادرين على الانتفاع من خطط الائتمان? وهل ستقوم الحكومات بإعطاء المحليات قدراً أكبر من المرونة لتوفير احتياجاتها الخاصة? وهل سيتمكن الأطفال الذين نجوا من الكارثة من العودة مجدداً إلى مدارسهم? وهل ستؤدي الكارثة إلى تدشين عصر جديد في عمليات السلام في ( سيرلانكا وآتشيه) بما يسهل عملية توزيع المساعدات وتنفيذ عمليات إعادة التعمير في أي مكان وحسبما تتطلب الحاجة? بفضل كرم ملايين البشر, ستتوافر لنا موارد كافية لمواجهة هذه التحديات الصعبة. فبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة يقوم حالياً بتوفير الغذاء لما يزيد على 700 ألف شخص يومياً. كما أن صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة يتعهد بتنفيذ مشروعات كبيرة لتوفير احتياجات تلك المنطقة الكبيرة من الطعام والخدمات الصحية. كما تقوم وكالات الأمم المتحدة الأخرى أيضاً بواجبها في هذا الإطار.
في آخر رحلة قمت بها إلى المناطق المنكوبة زرت معسكر-جانتو- للنازحين في -آتشيه- حيث قابلت امرأة فقدت تسعة من أطفالها العشرة وباعتبارها واحدة من قيادات ذلك المعسكر, فإنها قامت بتقديمي إلى أصغر أعضاء المعسكر سناً, وهو طفل يبلغ عمره يومين فقط. وقالت تلك السيدة إن أم الطفل تريد مني أن اختار اسماً لابنها وعندما سألتها إذا كان هناك اسم أندونيسي لائق يعادل في معناه عبارة- بداية جديدة- قالت لي نعم إن هناك اسماً شائعاً في لغتهم يعني- الفجر- وهو من الأسماء التي تطلق على الذكور هناك وتعطي معنى البداية الجديدة أيضاً. لقد فكرت كثيراً في هذا الوليد الصغير وفي التزامنا بتوفير فجر جديد له. وهذا ممكن إذا عملنا سوية.