تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«قمـــة أنقــــرة» تصعـــد بأردوغــــان إلــى أعــلى الشجـرة

دراسات
الخميس19-9-2019
فؤاد الوادي

لم تخرج (قمة أنقرة الثلاثية) بجولتها الأخيرة بكثير من التفاؤل، لكنها بالمقابل أبقت على كثير من التشاؤم الذي لا يزال متراكماً على جانبي المشهد المتخم بمحاولات العبث

وسياسات الخداع والمناورة والابتزاز التي لما تلبث تمارسها أطراف الإرهاب، ولا سيما الولايات المتحدة والنظام التركي.‏

وفيما كانت رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة واضحة وحاسمة ولا تقبل أي تأويل يخرج عن سياق الواقع المرتسم على الأرض، جاءت كلمة أردوغان متخمة بالاستعراض والكذب والإصرار على أخذ الأمور بعيداً نحو التشبث بسلوك الابتزاز واللعب على حبال السياسة والاستثمار في انزياحات المشهد وتقاطعات المصالح والتحالفات.‏

القمة التي جمعت الدول الثلاث الضامنة لمخرجات آستنة - روسيا وإيران والنظام التركي - وبحسب ما رشح عنها لم تأتِ بما هو استثنائي، غير أنها جاءت بدفع إضافي للعملية السياسية، وهذا ما حمله بيان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أكد ضرورة القيام بتحركات إضافية لاستئصال التنظيمات الإرهابية، خاصة في منطقة خفض التصعيد بإدلب حيث يواصل الإرهابيون اعتداءاتهم على المناطق المجاورة مشدداً على أنه لا يمكن أن تبقى إدلب بؤرة للإرهابيين ومنطلقاً لتنفيذ هجماتهم واعتداءاتهم ويجب اتخاذ خطوات إضافية لإزالة الخطر الإرهابي في إدلب بالكامل.‏

النقطة الأبرز في كلام بوتين والتي تعتبر بمثابة جرعة إسعافية مركزة للدفع بالحل السياسي وخلق البيئة المناسبة له تكمن في إشارته إلى أنه أعطى تعليمات تنفيذية لوزارة الدفاع الروسية لتهيئة الواقع الميداني على الأرض للانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل السياسي، ولعل كلام الرئيس بوتين يحمل بين طياته رسالة واضحة لأردوغان بضرورة الالتزام بالاتفاقات المبرمة والإسراع بتنفيذها على الأرض لأن الفرصة لم تعد سانحة لمزيد من الهروب والتهرب إلى الأمام سعياً لكسب الوقت بهدف خلق مساحات وتقاطعات جديدة للابتزاز والاستثمار والرقص على حبال التحالفات والمصالح، وهذه إشارة واضحة من بوتين من المفترض أن أردوغان التقطها بضرورة تطهير إدلب من الإرهابيين الذين يتلقون الدعم والحماية والأوامر منه، خصوصاً تنظيم جبهة النصرة.‏

الرئيس الإيراني حسن روحاني كان أيضاً أكثر حزماً في التأكيد على ضرورة الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها واستقلالها ومواصلة مكافحة الإرهاب فيها حتى القضاء عليه بشكل نهائي، إلا أن منطقة شرقي الفرات أخذت حيزاً مهماً في كلمة الرئيس روحاني عندما اتفق مع بوتين على أنه (يتعيّن سحب كل القوات الأجنبية من سورية، وأن نشر قوات أميركية في سورية غير شرعي).‏

ودعا الرئيس روحاني إلى تقديم المساعدة في عودة المهجرين بعد أن هيأت الدولة السورية الظروف اللازمة لذلك، مضيفاً أن الوجود غير الشرعي للقوات الأميركية على الأراضي السورية يهدد وحدتها وسيادتها كدولة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، مؤكداً أن الرئيس الأميركي أعلن انسحاب قوات بلاده من سورية لكننا لم نر تطبيقاً لذلك على الأرض ويجب على القوات الأميركية أن تخرج من سورية ويتعين إعادة المناطق التي كانت تنتشر فيها إلى سلطة الدولة السورية.‏

أردوغان بدوره حاول الالتفاف على نقاشات القمة من خلال طرح مشروعه الاحتلالي مع الأميركي الذي سمي بـ (المنطقة الآمنة) تحت عنوان إنساني مزيف مدعياً أن هذا المشروع يساهم في حلّ أزمة النزوح، بعد إسكان النازحين السوريين فيها، متناسياً ومتجاهلاً أن نظامه وإرهابييه هم من يمنعون السوريين المحتجزين في المناطق التي يحتلها الإرهاب من الخروج إلى مناطق ونقاط الجيش العربي السوري الذي فتح ممرات إنسانية آمنة لاستقبال وخروج المدنيين.‏

السؤال الأبرز ما بعد القمة الخامسة للدول الضامنة، هل سنرى في القريب المنظور، تطبيقاً فعلياً لمخرجاتها على الأرض؟، خاصة من النظام التركي الذي لا يزال يدعي بكل وقاحة أنه يجهد لتنفيذ ما التزم وتعهد به، ولا سيما فيما يتعلق بالتعامل مع الإرهابيين المتواجدين في مدينة إدلب الذين يرتبطون به.‏

اعتقد كما الكثيرين مثلي وخصوصاً المتابعين لسلوك أردوغان خلال السنوات القليلة الماضية وإلى درجة الجزم، بأن الأخير لم يحسم أمره بعد ولم يحدد بوصلة تحالفاته في أي اتجاه، أهي في اتجاه الأميركي والأوروبي والاسرائيلي ومشاريعهم الاحتلالية والاستعمارية والإرهابية والاقتصادية، خصوصاً أن الولايات المتحدة قد أمسكته من الذراع الذي تؤلمه -ورقة الاكراد-، أم هي في اتجاه روسيا وإيران ومحور الدول المؤثرة والصاعدة على المسرح الدولي والتي تؤمن له طيفاً واسعاً من رغباته وطموحاته بالصعود إلى المنصة الإقليمية كونها تلبي له جزءاً كبيراً من نشاطه وحيويته السياسية والاقتصادية والأخلاقية على المستوى الداخلي والخارجي في ظل بقعة الإرهاب المظلمة التي تزداد تمدداً وانتشاراً ليس في المنطقة والعالم فحسب، بل في الشارع التركي ولا سيما بعد مسلسل الانتهاكات والاعتقالات الذي يواصل حلقاته وفصوله ضد معارضي حزبه، الحزب الذي بدأ سوس الصراعات والخلافات ينخر فيه بسرعة ملفتة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية