جناحٌ خاص للأسرى من الأدباء الفلسطينيين المقاومين. الأدباء الذين أبوا إلا أن يواصلوا نضالاتهم، وعبر قصصٍ وخواطرٍ وأشعارٍ وروايات، منها ما نختار منه رسالتهم:
«حكاية سرّ الزيت».. «أكتبُ لأتحرَّر من السجن، على أملِ أن أحرِّره مني»
هي رسالة الكاتب الأسير «وليد دقَّة» الذي قادنا إلى رحلةٍ عجائبية في «حكاية سرّ الزيت».. قادنا، من وراءِ قضبانٍ لم يمنعه جحودها وقسوتها، من أن يُسمعنا صوت إنسانيته وقضيّته ومفردات فلسفته: «السجون والجدار والأسلاك الشائكة عند الحدود، هم ظاهر فقدان الحرية، أما باطن الوباء فهو فقدان العقل والأخلاق أو ما يسمونه بعمومية الجهل، وهو أخطر السجون وأشدها قسوة، وسأملِّكك من سرِّ الزيت ما يمكِّنكَ من علاج ظاهر وباء العصر، وعليك أن تبحث عن الزيت في عقلك وعلمك حتى تكتشف باطن السر كي تعالج باطن الوباء»..
إنها الحياة التي سعى «دقَّة» المعتقل منذ 32 عاماً لترصيعها بمتعة حكايا أبدعها من داخل سجون القمع الإسرائيلي.. الحياة التي شاءها للإنسان متجذِّر الأصالة، كما شجرة الزيتون في موروثنا ولغتنا وحاضرنا الإنساني والوطني.
نعم، هي الحياة التي سعى إليها بإبداعٍ يحكي حقيقته. الحقيقة التي لخَّصها بعشرِ كلمات يقول فيها وعلى الصفحة الأولى من روايته: «أكتب حتى أتحرر من السجن، على أمل أن أحرره منّي».
«الكبسولة».. «أكتبُ عن شحذِ الهمَّة.. أكتبُ عن أحلام الأمَّة»
أيضاً، هي إحدى إبداعات الأدب المقاوم، الموجود في معرض الكتاب الدولي-مكتبة الأسد الوطنية، وللأديب والأسير الفلسطيني «كمال أبو حنيش» الحاصل على بكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية.
تتحدث الرواية عن الرسائل المهربة من سجون الاحتلال الإسرائيلي. وعن الصعوبات التي تصادفها إلى أن توصل ما فيها من حكايا النضال والمقاومة الإبداعية.
الحكايا التي لابدَّ أن تصل لكلِّ من يقرأ رسالتها من بدايتها: «حيث يكون قلبك فهناك كنزك».. إنه المكان، الأرض، الوطن الذي هو لدى كاتبه المُبعد أو المغترب قسراً عنه، «مرقد الانبعاث» إلى الحياة..
لاشكَّ أنها الحياة التي يختزلها الكاتب في «الكبسولة».. ذلك أنه وبسبب عدم وجود ورق في السجن، اضطرَّ للكتابة على الأوراق الداخليّة الشفّافة لعلب السجائر، وبخطٍ صغيرِ جداً، يقوم بعد الانتهاء مما اختزله فيه، من لفِّ الورقة بشكلٍ دقيق، ومن ثمَّ تغليفها بغلاف بلاستيكي، وإلى أن تبدو مثل حبة دواء- كبسولة، يُوكل لمن سيخرج من السجن قريباً ابتلاعها وإيصالها إلى المعنيين بها خارج السجون..
اعتمدت الرواية على اللغة والنصوص الشاعرية، التي لم تحل دون تفوقها كل المآسي والأحداث ومعوقات النضال التي سببها الخونة ومنهم أخوة.. اعتمدت على السخرية السوداء، ومن الاحتلال والانتهازيين والمرتزقة والمثقفين المقنَّعين والمنتفعين، وأصحاب النفوس السوداء: «لم يعجبني منطق البعض منهم، وأبراجهم العاجية، حيث يطلّون من خلالها على الناس بغرورٍ وكبرياءٍ زائف. ناهيكَ عن فذلكات البعض وارتدائهم للأقنعة»..
باختصار.. هي رواية «كبسولة» خرجت من السجن وضاعت، وأنفق صاحبها 40 عاماً في البحث عنها. رواية تاريخ الثورة الفلسطينية، وهاجسها الإنساني والوجودي. رواية الحياة ولغز الانبعاث، وصوت الحقِّ الفلسطيني: « أكتبُ عن شحذِ الهمَّة/ أكتب عن أحلام الأمَّة/ طوبى للحرف الشامخ في الليل منارة/ والعارُ لأبراجِ العاج المنهارة/..