تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قراءة .. موقـــــــع القـــــــــارئ

ثقافة
الأحد 17-1-2016
 عقبة زيدان

خروجاً من زحمة التعريفات المربكة، وخروجاً على الاستسهال في تعريف (من القارئ؟)، وللوصول إلى رأي معتدل ومقبول حول (دور القارئ) نجد أنفسنا مضطرين إلى التساؤل حول موقع القارئ من النص- أي نص.

النص هو شبكة من الرموز والإشارات، والقارئ الحقيقي هو القوة القادرة على فك طلاسم هذا النص ورؤية ما يخفي. ولكن عن أي قارئ نتحدث؟.‏

نحن في عالم يضج بمصطلحات (ما بعد) الحداثة والبنيوية والكولونيالية، وبمفاهيم النهايات: نهاية التاريخ ونهاية الإمبراطوريات، ومفاهيم الموت: موت المؤلف، وموت الأيديولوجيا.‏

أمام هذه المفاهيم المتجاوزة وشبه النهائية، يمكن أن نطرح سؤالاً مركزياً: أين القارئ من هذا الإشباع الرمزي لفكرة الحتميات أو النهايات المحتومة؟‏

ليست القراءة بحد ذاتها هي ما يعطي النص قيمته. فالقراءة ليست استعراضاً لمعلومات يعطيها النص برحابة صدر لقارئه، لأن ما يظهره النص من جماليات هو ظاهر النص فقط. أما ما يخفيه النص، فلن يقدر على كشفه سوى قارئ حقيقي يمتلك ثقافة قادرة على تفكيك الشيفرات والرموز والإشارات، ليصنع منه نصاً مقابلاً وموازياً.‏

تقوم القراءة الحقيقية على رؤية التناقض داخل النص. هي قراءة عاقل بالتأكيد، لأن العقل لا يستطيع أن يتجاوز التناقض، لأنه من طبيعته.‏

هل تعكس هذه القراءة العاقلة واقع النص فعلاً؟؟‏

يجبرنا هيغل هنا لوهلة على تقبل ما مفاده أن (كل ما هو واقعي عقلي، وكل ما هو عقلي واقعي). حيث يكون العقل تجسيداً للواقع، والعكس صحيح. ولكن ماذا إذا اجترح القارئ فكرة غير موجودة في النص؟ أو ماذا لو أن الفكرة المجترحة لم تخطر ببال الكاتب؟ هل نخرج هنا بلباقة من القناعة الهيغلية المتينة بعض الشيء، أم أننا سنتمسك بها ونلوي عنق قصد الكاتب ونحرفه باتجاه الكتابة اللاواعية؟‏

مهرب جيد فعلاً!! ولكنه مؤقت؛ إذ يتوجب علينا أن نتبع شبكة النص كاملاً، لنتأكد من القصد المخفي أو المتواري خلف كلمات وإشارات ورموز ترنو إلى بعضها أحياناً وتقيم علاقة سرية مع شهود سريين وقارئ سري محتمل.‏

لا يمكن لمهرجان الكلمات في نص كبير ما، إلا أن يكون ذا هدف ما بعد ظاهري، وإلا سنعترف بهدر كبير للغة يقلل من قيمتها المعرفية والوجودية.‏

نطلق على نص لشاعر كبير كالمتنبي بأنه نص متين ويحمل دلالات عميقة، من دون أن نقرأه ضمن شبكة التفاعلات والإشارات والرموز. وهنا تكون قراءتنا تقليلاً من/ وتهميشاً لـ/ هذا النص. وإن ما تقوم به القراءة العادية هي أنها تحول النص إلى مجرد كلمات متلاصقة ذات معنى مباشر وظاهر. بينما يكون (الخيل والليل والبيداء تعرفني..) وما يتبعها تنحو إلى ما وراء الكلام المكتوب الظاهر. أما القراءة العاقلة فإنها تقفز إلى منطقة الصمت، إلى ما وراء الواقع، إلى منطقة لا تعترف بأغراض الحواس. أليست الأشياء الصماء (الليل والبيداء) هي من يقوم بهذا الفعل (المعرفة)؟ أليست لذة النص (وهذه استعارة من رولان بارت) تكمن في استكناه هذه المتعة المخبوءة في ثنايا الجسد اللغوي الشعري الجميل المغري، والإغراء هنا هو ميزة لكل نص عظيم، فبدون أن يغرينا جمال الجسد، لن يكون في مقدورنا أن نتواصل معه، وأن نكشف مفاتنه. والنص العظيم يمتلك لذة دائمة، لا يمكن للزمن القرائي المتواتر أن يفقده سحره. فعلى العكس تماماً، كلما أوغلنا في قراءة هذا الجسد اللغوي، كلما بدت تفاصيل هذا الجسد مغرية أكثر ومحفزة للمتابعة.‏

اللغة جسد النص، كما أنها كائن حي، دائم العيش، ينتقل من زمن إلى آخر، وكما يقول فوكو: (إن اللغة تملك في ذاتها مبدأها الداخلي للتكاثر).‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية