تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أميركا ومواصلة العبث في العام الجديد

متابعات سياسية
الأحد 17-1-2016
 بقلم:عبد الرحمن غنيم

حين يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري إن سورية ستبقى التحدّي الرئيسي لسياسة بلاه خلال العام 2016 , فهذا يعني ضمناً إقراره بأنها كانت التحدّي الرئيسي لهذه السياسة منذ العام 2011 على الأقل .

ونقول « على الأقل « لأننا نعرف بأن سورية شكلت تحدّياً أساسياً للسياسة الأمريكية منذ خمسينيات القرن الماضي . وهذا ما جاءت صحيفة « الواشنطن بوست « بعد ذلك لتؤكد عليه.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هي ماهيّة هذا التحدّي ؟.‏

في الإجابة على هذا السؤال , فإن المدخل المنطقي يتمثل في التعرف على السياسة الأمريكية أولاً قبل أن نتحدث عن أيّ شكل من أشكال التحدّي الذي تواجهه هذه السياسة . أي أن نبدأ بالتعرف على الفعل قبل أن نتحدث عن ردّ الفعل , وإلا فإن فهمنا للأمور سيكون بحكم المبتور .‏

إن العنصر الأساسي في السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا يتمثل في التبنّي الأميركي للمشروع الصهيوني اللامشروع . ونقول « المشروع الصهيوني « لأننا نعرف جيداً أن هذا المشروع اللامشروع بدأ بالهجرة اليهودية الى فلسطين بهدف الاستيطان تحت الرعاية الاستعمارية البريطانية والمساندة الأمريكية , ولم ينته بإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين عام 1948 كما قد يتصوّر البعض , وإنما كانت إقامة الكيان خطوة من خطوات تنفيذ المشروع الصهيوني , أعقبته خطوات ومحاولات توسعية منها العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 , وعدوان حزيران عام 1967 , والحرب على لبنان ومحاولة التوسع على حسابه عام 1982 . وإذا كان العدو الصهيوني قد اضطرّ الى الانسحاب من سيناء وجزء من الجولان ومن جنوب لبنان ومن قطاع غزة تحت ضغط المقاومة العربية لعدوانه , فإن هذا لا يعني انكفاء المشروع الصهيوني , ولا تخلي السياسة الأمريكية عن دعم هذا المشروع , بل يعني أن السياسة الأمريكية معنية طوال الوقت بتمكين أصحاب هذا المشروع العدواني العنصري من الوصول الى غاياتهم وإضعاف قدرات العرب على التصدّي لهم .‏

ولأنّ مقاومة هذا المشروع انحصرت في نهاية المطاف في محور المقاومة , ولأن سورية باتت تمثل العمود الرئيسي الذي تقوم عليه خيمة المقاومة , فقد باتت السياسة الأمريكية ترى في تقويض الدولة السورية الخيار الأساسي لتمكين إسرائيل من تحقيق أطماعها التوسعية . وهي ترى بأن هذا الخيار هو الذي يجنّب الكيان الصهيوني خطر الانهيار . فالمعركة في نظر أميركا وإسرائيل إذاً هي المعركة التي تقرر مصير إسرائيل : إما التوسع أو الفناء . ولكنها بالنسبة لنا أيضاً هي المعركة التي تقرر مصير العرب . وعليه , فإن هذه المعركة ترقى الى مستوى المعركة المصيرية بالنسبة للطرفين .‏

في الواقع أننا حين نتحدث عن محور المقاومة كتعبير راهن عن إرادة الصمود والتصدّي , فإن هذا الحديث يجب ألا ينسينا الملامح الرئيسة التي طبعت مسار الصراع منذ خمسينيات القرن الماضي . وهنا علينا أن نتذكر بأن معركة الخمسينيات بدأت بمقارعة الأحلاف الاستعمارية التي أرادت أميركا من خلالها تطويع وضبط الإرادة العربية بما يمكنها من التحكم بقوة العرب وإرادتهم معاً , وبما يحول دون بناء القدرة العربية على التصدّي للتحدّي الصهيوني .‏

وفي غمار تلك المعركة , كان التوجه نحو الوحدة , وقيام الجمهورية العربية المتحدة , هو الخيار العربي المنطقي لتعزيز قدرة العرب على مواجهة التحدّي الذي يمثله المشروع الصهيوني , وكان التآمر على تلك الوحدة , والعمل على تقويضها , وصولاً الى جريمة الانفصال , هو الخيار الأميركي الصهيوني الذي جندت الرجعية العربية لتنفيذه .‏

وإذا كانت العلاقة بين مصر وسورية بشكل أساسي , وبين البعث وعبد الناصر كمعبّرين رئيسيين عن الخيار العربي القومي , مثلت في ذلك الحين محور تلمّس القوة العربية في مواجهة التحدّي , فعلينا أن نلحظ كيف أن اللحظة التي أعيد فيها الدفء والتواصل الى هذه العلاقة في أيار عام 1966 كانت هي اللحظة التي شهدت بدء التحضير الصهيوني – الامبريالي الرجعي لضرب سورية ومصر معاً , ومحاولة ضرب البعث وعبد الناصر معاً , وذلك في عدوان حزيران الذي ظهر تواطؤ أميركا مع إسرائيل في تدبيره وإدارته سافراً .‏

ورغم قسوة الضربة التي تلقاها العرب , فإنه ثبت بعد سنوات قليلة أنه انطبق عليهم المثل القائل بأن « الضربة التي لا تقتل تحيي « . وهكذا جاءت حرب تشرين لتشكل صدمة كبيرة للمشروع الصهيوني .‏

إن ذهاب الدبلوماسية الأمريكية بإدارة كيسنجر الى تطبيق سياسة الخطوة – خطوة لإخراج مصر السادات من الصراع , والانفراد بعد ذلك بسورية, مثل في الواقع محور السياسة الأمريكية تجاه منطقتنا منذ ذلك الحين . فكل ما شهدته المنطقة من أحداث وحروب وفتن إنما جاء في سياق تلك السياسة .‏

لو فكرنا في أن ننظر الى الأمور من الزاوية السورية تحديداً , ورصدنا تطورات الأحداث منذ العام 1970 وحتى الآن , فإن ذاكرتنا لا بد وأن تسترجع أموراً كادت معظمها تصل الآن الى مرحلة النسيان :‏

ألم يتشكل في وقت ما اتحاد عربي ضم مصر وسورية والسودان وليبيا ؟ .‏

ألم تكن حرب تشرين نتائج التكامل والتنسيق بين الجيشين المصري والسوري؟.‏

ألم يجر إشغال سورية من خلال إثارة الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 ؟.‏

ألم تستهدف إيران كقوة إقليمية صاعدة تساند سورية في صمودها بأشكال متعددة منها الحرب العراقية – الإيرانية ؟.‏

ألم يجر إشغال العراق في عهد صدام حسين بحروب في عدة اتجاهات ليتم الانقضاض الأمريكي عليه في نهاية المطاف ؟. ألم تؤخذ المقاومة الفلسطينية من لبنان الى المنافي , ومن المنافي الى قيود الحكم الذاتي في اتفاق أوسلو ؟. لنتذكر جيداً : أما كانت هناك اتفاقات تنسيق ثنائية شبه وحدوية على مستوى العلاقة بين الحكومات وخاصة بين سورية وكل من اليمن والسودان وتونس ؟ فأين آلت هذه الاتفاقات ؟.‏

أما كانت هناك جامعة عربية ينظر إليها كوعاء للتضامن بغض النظر عن مدى جديته ؟ فماذا حدث لهذه الجامعة ؟.‏

أما كان تفكيك الاتحاد السوفييتي في أوائل تسعينيات القرن الماضي تحدياً قاسياً لسورية في مواجهتها للسياسة الأمريكية والتحدي الصهيوني ؟ .‏

إن سورية في الواقع هي واحدة من بين عدد قليل من دول العالم التي صمدت في مواجهة رياح العولمة الأمريكية . والواقع أنه ما كان لها من خيار سوى الصمود , لأن البديل عن الصمود هو تمكين المشروع الصهيوني من تحقيق غايته في التوسع من النيل الى الفرات .‏

لقد ولد محور المقاومة في الواقع كتعبير عن هذا الصمود . لكن هذا الصمود يجعل أطرافه ينظر إليها من قبل الأمريكي كأطراف مارقة , ومن قبل الصهيوني كعائق أمام هدف التوسع , أو كخطر على مستقبل الكيان .‏

إن تمسك سورية باستقلالها وسيادتها وصمودها في مواجهة السياسة الامبريالية الأمريكية هو في نظر الأمريكي مروق يستدعي العمل على تقويض سورية . ولكن لا أحد يستطيع الزعم بأن الأنظمة العربية الموالية لواشنطن في مأمن من خطر التقويض والتفتيت والاجتياح طالما أن المشروع الصهيوني يتطلب ذلك . إن إزاحة المقاوم تعني تقويض المساوم دون أن يكون بوسعه التصدّي لعملية التقويض . ولا حصانة للمستسلمين بسبب استسلامهم .‏

لقد باتت سورية الآن هي موضع الاستهداف الرئيسي بالنسبة لأميركا , وكانت كذلك منذ أكثر من نصف قرن من الزمن . وهذا بالضبط ما أقرّ به كيري . والسبب هو موقع سورية الجغرافي في مواجهة الكيان الصهيوني . وهذا يعني أن الأميركي بات يرى بأن استكمال تنفيذ المشروع الصهيوني هو الهدف الأساسي الذي تكرس أميركا جهدها لتحقيقه .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية