تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


انتصار من نوع آخر

مســـــــــاهمات شـــــــــبابية
الأثنين 14-2-2011م
نور الهدى عاطف أحمد

عندما تختنق الكلمة في مقبرة الحناجر المتعبة يغدو الطريق صعب العبور، إلا أنها تتجاوز الأسلاك والحصار لترى نوراً ضئيلاً في قلب المخيم الممزق المملوء بسيمفونية الموت الصامتة، ومن يجرؤ على الكلام في هذا البلد «ها».

قالها باستهزاء صبغته التعاسة والحزن،ثم تحاول جدران المخيم تغيير الموضوع ولفت انتباههم قد ارتوت بالماء، يضحك بصوت خفيض وقد اندفنت الغصة في قلبه المملوء بالغبار..‏

لقد كانت السماء تفرغ بطونها من الوزن الثقيل وترسل أبناءها إلى الغبراء التعسة ليعيشوا لحظات الحزن مع المشردين واللاجئين ويسلخلوا الليل وهم يتسكعون مع أجساد الطرقات الباردة.ها هي تلك الخيام تمتلىء ماء، تنهد بدر ثم قال: متى كان المطر هماً؟‏

عندها يغلق ذاك الباب العتيق الذي شاب رأسه وعلى أصوات مدفأة الحطب القديمة اختنق الجو وغصت الغرفة بالأسى،يدخل حطبه إلى المدفأة لعله يشعر بالدفء،ثم يشعل سيجارة من جديد..‏

يقترب من زوجته وقد التهمت قلبه ضحكتها البريئة قائلاً: انظري إن كل فلسطيني مصيره مثل هذه السيجارة ثم يهز رأسه مبعداً الفكرة عنه، ويضم ابنه إلى صدره الممتلئ باليحموم اسمع يا بني: إن الانسان قد يشبه النبتة أحيانا فهو لا يعظم ويكبر إلا إذا دفن في أحضان ترابه الدافىء... ينظر الولد متسائلاً إلى أبيه وقد أكلت رأسه الصغير.. لم أفهم يا والدي، يشعر الأب بتيار من السعادة يسقط في مجرى قلبه لتصب في زاوية مهجورة من دمه التي لم يطأها الزمان.. ستفهم هذا يا ولدي عندما تغدو شاباً قوياً، مرت الأيام سريعاً وهي تطوي المسافات،والساعات وتلتهم الدقائق كما يلتهم وحش مفترس غزالاًصغيراً والوالد يعلم ابنه حب الوطن والدفاع عنه بالغالي والرخيص.‏

هاهو الآن يقلب صفحات الماضي المهترئة ويمسح الحيرة عن دفاتر ذاكرته، لقد فهم الآن معنى تلك الجملة الغامض.‏

يبتسم باطمئنان وهو يستنشق تراب وطنه الطاهر، طيف من بعيد يلامس أوتار حواسه، ألحان عذبة تحاصر روحه الغارقة، عقارب الموت ترسم بريشتها أشباحاً تحوم في مخيلته لا تفارقه أبداً وزغاريد الملائكة تطن في أذنيه، ينطلق إلى ورد حياض الموت غير مبال..‏

الآن أصبح كل شيء واضحاً وانقشع الظلام عن قبة السماء الزرقاء ونورت جدائل الشمس ظلام الحروف المبهمة وها هي تلك الأم تزرع الريحان والورد الجوري بعناية فائقة فوق قبر زوجها وابنها الفدائيين اللذين طارا إلى ذلك العالم البعيد.. حيث تشعر فيه الروح بنشوة الانتصار وهي ترتدي أثواباً بيضاً كأنما تشع بالضياء..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية