تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البحر

مســـــــــاهمات شـــــــــبابية
الأثنين 14-2-2011م
غزوان بزي

الأمواج وصلت إلى قدميها.... فأرسلت في جسدها برودة ورعشة.... لكنها رغم ذلك لم تفتح عينيها لمراقبة مشهد البحر والأمواج.

كانت في عالم آخر.... منعزلة تماماً عن هذا العالم.... يرتجف جسدها مرة ويسكن مرة.... تمد ذراعيها إلى الأمام.... ثم تلف جسدها بيديها وتعتصره بقوة.... فتؤلم قلبها وتكسره..... كان بجوارها طاقة ملونة من الورود.... شعرها يتطاير بجنون معاركاً الريح.... ليبرز وجهاً حزيناً خائفاً.... ثم ينام على كتفيها برحيل هبة الريح الجامحة.‏

طيور النورس تروح ذهاباً وإياباً بدون كلل أو ملل.... أصواتها الحزينة ترسل في نفسك هدوءاً وتأملاً.... وشروداً مع صوت الموج.... الذي يرسل في داخلك حزناً على ذلك البحر الذي كم ضم في داخله قصصاً وأوجاعاً، أنصت لكل عاشق، وشارك المهموم همه.... عانق الحزين البائس.... وأرسل في داخلهم جميعاً أجمل التعازي وأحرها..... قدرّهم.... سمعهم... خبّأ أسرارهم.... ولم يبح بها لأحد.‏

وها هو البحر كعادته يراقب شاطئه.... ويتفرس النظر في الأفق.... فرأى مشهد الفتاة وكيف كانت ترتجف.... ناداها.... لم تسمعه.... حتى إنها لم تكن تراه.... عيونها كانت مغمضة.... أراد أن يسألها ويعرف قصتها.... أن يدخل إلى داخلها لعله يستطيع التخفيف عنها ومساعدتها.... لكنه كان عاجزاً بلا أرجل.... غضب.... ثار.... ضرب الصخر بيديه.... استمطر الغيوم بعينيه.... فاض وفاض.... شرب الرمل..... أراد أن يفعل شيئاً ولم يستطع.... بكى وصرخ.... تعب.... استلقى واستكان.... ضربته أشعة الشمس..... فالتمع جبينه..... كاللآلئ وفاض قلبه بالزرقة والحب لها.‏

عندها فتحت الفتاة عينيها.... وأطلقتها تجاه صفحة البحر، وما كانت إلا ثوانٍ حتى أجهشت في البكاء، وصرخت صرخة مزقت قلبه وكسرت وحدته.... عاد يموج.... يعلو ويهبط.... يضرب وجهه بيديه وتضربه هي بصراخها.... تألم لأجلها.... أراد أن يفعل شيئاً.... فكر أن يغرق الأرض من أجلها.... وأن يحملها على يديه إلى جزيرة الصفاء والحب.... علَّها تشعر بالأنس والحنان.... فلاتبكي ولاتحزن أبداً.‏

فجأة هدأت الفتاة وتوقفت عن البكاء وكأن دموعها قد نفدت.... أدارت ظهرها للبحر وغادرته....‏

رمقها بعينيه.... ناداها بأمواجه.... أرسل وراءها طيور النورس.... حلقوا فوق رأسها.... طلبوا منها البوح بألمها وعذابها ولكنها لم تأبه لهم ورجعوا إلى بحرهم ورجع هو بالخيبة والانحسار....‏

فجأة توقفت الفتاة واستدارت تجاه البحر عائدة إليه.... حملت طاقة الورد الملونة التي تركتها قابعة على الكرسي الخشبي واقتربت من البحر حتى وصل الماء إلى ركبتيها.... وكأنها تريد معانقته والاعتذار له وعن تجاهلها لمشاعره.... ألقت الورود إليه، فقفز في الهواء وتلقاها بكل حب وود.... ابتسمت له ولوحت بيدها لوداعه.... أراد أن يعانقها ويشكرها.... وانشرح صدره عندما رآها تبتسم....‏

خرجت من الماء وغادرته.... كانت تتلفت إلى الوراء وتلوح له.... فيتبعها بأمواجه ويرمقها بعينيه.... غابت بعيداً ولم يعد يراها.... وانحسر عائداً يلملم ورودها ويشتم رائحتها عله يشعر بشيء من الدفء والحب....‏

وتمضي الأيام والليالي ولايزال البحر كل يوم يلطم موجه.... ويضرب الشاطئ بأمواجه التي لاتنتهي.... وعندما تقف أمامه وتنصت له سيحكي لك قصصاً كثيرة عن الحب والعشق والألم... ستبكي وتفرح بين يديه، وتعانقه ويعانقك وكأنه روحك وجسدك وستحبه لأنه أحبك.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية