330 مليون دولار سنوياً هي قيمة البضائع المقلدة في العالم يأتي أغلبها من الصين..
انتشرت مؤخرا وبشكل لافت للنظر البضائع المقلدة في الأسواق السورية والتي يهدف مروجوها إلى جني مزيد من الأرباح نظراً للفارق الكبير بينها وبين المواد الأصلية، فهناك العديد من المنتجات تحمل أسماء لماركات عالمية وتباع في السوق على أنها من نفس الماركة وذات الجودة ولكن بأسعار تقل عن قيمة الأصلية منها بـ70%.
ولئن وجدت المنتجات المقلدة من إكسسوارات وأدوات تجميل وعطورات ومواد تنظيف ونظارات شمسية وساعات وأجهزة كهربائية وغيرها الكثير مكاناً رحباً لها على بسطات الأرصفة إلا أنها ما لبثت أن وجدت وبعد فترة من الزمن طريقها إلى المحال التجارية ليس في الأسواق الشعبية فحسب بل وحتى الحديثة «المولات» منها.
وما أدراك ما الصين!
يبدو من الأهمية بمكان أولاً الإشارة إلى أن مسألة التقليد ليست بالمسألة حديثة العهد وإنما هي أمر يحدث في كثير من دول العالم التي لا تلتزم بقوانين الملكية الفكرية والتي تتربع الصين على قائمتها حيث تقدر منظمة الجمارك العالمية حجم تجارة السلع المقلدة والمغشوشة في العالم بـ تريليوني دولار، في حين تشير التقديرات إلى أن قيمة البضائع المقلدة في العالم هي بحدود 330 مليون دولار سنوياً يأتي أغلبها من الصين.
ولعل اللافت للنظر أن عمليات تقليد البضائع والمنتجات على اختلافها لم تعد حالات فردية بل أصبحت عمليات منظمة تديرها شركات كبرى في العالم لكنها تنشط في الدول الأقل قدرة على تطبيق المعايير المحلية والدولية لحماية الملكية الفكرية ولا سيما في الصين حيث يجري تقليد معظم المنتجات والسلع العالمية وتزويرها لتصدر بعد ذلك إلى أسواق الدول الناشئة في الشرق الأوسط وإفريقيا وحتى دول أوروبا.
وحسب إحصائيات المفوضية الأوروبية تمت مصادرة 75 مليون سلعة مقلدة على حدود الاتحاد الأوروبي في العام 2006 وكذلك الأمر في الولايات المتحدة تشير تقارير المستهلكين إلى أن 80% من أصل قرابة 15 ألف منتج مقلد دخلت في العام 2008 من الصين.
عربياً أيضاً قدر المنتدى العربي الأول لحماية المستهلك من الغش التجاري حجم تجارة السلع المقلدة والمغشوشة في الدول العربية بنحو 70 مليون دولار سنوياً منها بين 9-10 ملايين دولار في دول الخليج وحدها وأشار التقرير إلى أن أغلبية السلع المقلدة تأتي من الصين.
أمر واقع!!
بالعودة إلى تجارة السلع المقلدة في سورية فرغم عدم وجود إحصائيات رسمية تقدر حجم الظاهرة إلا أن وجود هذه المنتجات في السوق السورية بات أمراً واقعاً بغض النظر عما تنتجه من أضرار تطول المستهلك أولاً والاقتصاد الوطني برمته ثانياً.
ولأنها متنوعة الأصناف والنوعيات فإنها غالباً ما تحاكي كل شرائح المجتمع ولكن يبقى الشباب هم المستهلك الأول لمثل هذا النوع من البضائع.
يقول رياض إبراهيم صاحب مخزن لبيع المنتجات الصينية إن الزبائن الأساسيين لهذه المنتجات هم ذوو الدخل المحدود الذين وجدوا في هذه المنتجات ملاذاً وبديلاً عن العديد من المنتجات ذات الماركات العالمية والغالية الثمن ويرى صاحب المحل أن الزبون غالباً يعلم أن هذه الماركات مقلدة ولكنه يقدم على شرائها مدفوعاً برغبته في اقتناء ماركة عالمية وإن كانت مزورة وبسعر يناسبه.
ويستدرك رياض بالقول هذه المنتجات أصبحت أمراً واقعاً خصوصاً أن زبائن هذا النوع من المنتجات في تنام مستمر وهم دائمو الطلب على كل ماركة عالمية مقلدة تدخل الأسواق حديثاً.
ويعترف مؤيد «صاحب بسطة لبيع النظارات الشمسية» بأن النظارات التي يبيع مقلدة فمن غير المعقول – يقول مؤيد – أن تباع نظارة شمسية تحمل اسماً لماركة عالمية «ريبان مثلاً» بـ 100 ليرة سورية «دولارين» تقريباً في الوقت الذي يزيد سعر الأصلية منها أضعافاً مضاعفة ويشير مؤيد إلى أن أغلب زبائنه من الشباب الذين يبحثون دائماً عن التقليد وهؤلاء غالباً يعرفون أن هذه الماركات مقلدة ولكنهم يصرون على شرائها.
وحول الفرق بينه وبين المحال المتخصصة التي تبيع منتجات كهذه قال الشاب " الجميع صار يتاجر بالمقلد وقلما تجد محلاً يبيع الأصلي منها".
مبررات وذرائع
وليس بعيداً يشير زياد صاحب محل جملة إلى أن المستهلك السوري يعرف تماماً أن هذه المنتجات صينية الصنع وهي تقليد للماركات العالمية ومكتوب على قطعة منها جملة «صنع في الصين» حتى إن اسم القطعة المقلدة يختلف عن الاسم الحقيقي للماركة الأصلية بحرف واحد على الأقل رغم التطابق في التصميم الخارجي، رغم ذلك يقبل المستهلك السوري عليها بقوة شرائية كبيرة، لأنها تغطي جزءاً كبيراً من احتياجاته اليومية بأسعار تقل بنسبة 80% عن المنتجات الأصلية، وأوضح أن المشكلة لا تكمن في المنتجات الصينية بحد ذاتها لأن تلك المنتجات معروف أنها من صنع الصين، لكن المشكلة – حسب رأيه- تكمن في بعض ضعاف النفوس الذين يستوردون أشهر الماركات العالمية من الصين «نظارات، عطور، موبايلات، ساعات، مستحضرات تجميل» ويضعون عليها بلد منشأ آخر مثل ايطاليا وفرنسا وألمانيا وغيرها الأمر الذي يعتبر غشاً وتدليساً.
في سوق "الموبايل"
ويعد سوق الهواتف المتحركة مطرحاً لترويج أنواع شتى من هذه الهواتف التي ابتدع الصينيون ميزات حاكت إلى حد بعيد ما يريده الشباب من خدمات الصوت والصورة والبلوتوث والبث التلفزيوني رغم رداءة نوعية مثل هذه الأجهزة.
وفي الوقت الذي يحذر فيه أصحاب المحال من استخدام مثل هذه الأجهزة فإن الشباب ما فتئ يبحث عن ضالته فيها وهنا يقول الشاب أحمد عمران إن أسعار هذه الأجهزة تتناسب مع جودتها ومع المدة الزمنية التي يمكنه استخدامها خلالها، ولا يرى بأساً فيما يفعله بائعوها، حيث إن المشتري يدرك أنه يشتري أجهزة مقلدة، معتبراً أن ذلك يندرج ضمن حرية المشتري في تحديد خياراته ورغباته.
بالمقابل يشدد أصحاب المحال على عدم شرعية هذا النوع من التجارة وأوضح محمد المصري صاحب محل لبيع الأجهزة المتحركة أن وجود أسواق للمنتجات المقلدة في عدد من الدول الآسيوية هي التي ساهمت في نشر هذه الظاهرة في الأسواق الأخرى بالعالم مضيفاً إن هناك شركات تتاجر في الهواتف المتحركة المصنعة في تلك الدول وهناك شركات عالمية تصنع هواتفها في تلك الدول نظراً لقلة تكلفة التصنيع والعمالة بما فيها الشركات ذات العلامات التجارية العالمية ولذلك نجد منتجات أصلها أوروبي لكنها مصنعة في آسيا، وعليه فإن الشركات المصنعة للهواتف عاجزة عن مواجهة هذا الخطر الذي يهدد علاماتها التجارية.
بعيدة عن الفرنسية
وليس بعيداً عن أسواق النظارات الشمسية والموبايلات وغيرها سجلت مستحضرات التجميل المقلدة حضوراً كبيراً في الأسواق وشهدت إقبالاً في الوقت ذاته، ورغم أن مضارها الصحية كبيرة إلا أن عدداً من النساء متمسك بشرائها نظراً لتدني أسعارها مقارنة بنظيرتها الأصلية.
ووفقاً لتاجر في السوق فإن أكثر أدوات التبييض والصابون الطبي ومستحضرات التجميل تباع على أنها فرنسية وهي قادمة من الصين، ولم تجر عليها فحوص للتأكد منها، والغريب كما يقول التاجر إن كثيراً من أصحاب المحال يجهل مصدر ما يبيع من مستحضرات تجميل، فالمهم بالنسبة له رخص سعرها ومدى ما سيحقق من مرابح.
من جهتهن، بررت مستهلكات هذا النوع من المستحضرات أن شراء أدوات التجميل الرخيصة يفي باحتياجاتهن، ولا يكلفهن مالاً كثيراً، وتوضح ريما أن سبب اقتنائها مساحيق رخيصة أو مقلدة هو رخص ثمنها الذي يتناسب وقدرتها المادية.
وحتى الذهب!
ولأنهن لا يعدمن الوسيلة فقد وجدت الكثير من الفتيات ضالتهن في الذهب والمشغولات المقلدة كالروسي والبرازيلي وذلك هروباً من ارتفاع أسعار الذهب في الفترة الأخيرة وخاصة أن السوق المحلية تغرق الآن بأنواع كثيرة من مصوغات ومشغولات ذات أشكال وأنواع وأحجام مختلفة وموديلات متنوعة، وهي تباع في الأسواق والمحال منافسة للأصلية، غير أنها – حسب صاحب محل صياغة- تنتهي بمجرد استخدامها لمرة أو مرتين ويذهب الطلاء الذي على الإكسسوار إذا وقع عليه أي سائل كالعطر أو الماء وغيره، لأنها في الأصل مشغولات مقلدة فهي إما بلاستيك ومطلية بغشاء من الذهب أو من الحديد الخفيف جداً.
حديث في الأضرار
وفي الوقت الذي يرفض فيه الباعة التصريح عن مصدر بضاعتهم حفاظاً كما قالوا على سر المهنة إلا أنهم ألمحوا إلى أن جل هذه الماركات المقلدة يأتي من الأسواق الصينية صاحبة الصيت الذائع بالتقليد.
ويبين الشاب حمزة قنيص أحد مقتني هذا النوع من المنتجات أن السبب الرئيسي في رواج هذه السلع هو سعرها المنخفض مقارنة بأسعار الأصلي منها إضافة إلى الدقة في التقليد، فالمظهر الخارجي للسلع المقلدة لا يكاد يختلف عن الأصلي منها، فالماركة نفسها وكذلك اللون وشكل السلعة بل وحتى "الباركود"ما يجعل التمييز بينها وبين الأصلية صعب جداً.
هو ملاذ ولكنه غير آمن هكذا علق أحمد أبو هلال بقوله " صحيح أن أسعار هذه المنتجات بخسة الأثمان ولكنها بالمقابل تحمل ضرراً كبيراً على المواطن، فلا أحد يعلم مصدر هذه المنتجات، فمواد التجميل والشامبو والكريمات التي تحمل أسماء عالمية وتباع على قارعة الطريق تشكل ضرراً على البشرة وهي مؤذية لصحة الإنسان وذلك لاحتوائها على مواد كيماوية تؤدي إلى خدوش وتخرشات في الجلد وقد تؤدي لمشكلات لا تحمد عقباها، وكذلك الأمر بالنسبة للنظارات الشمسية المقلدة والتي ثبت بالدليل أنها مؤذية للعين وتسبب إتلافاً للشبكية.
ويرى أبو هلال أن دخول هذه المنتجات إلى الأسواق شكل "صرعة " في بداية الأمر ولكن ذلك لم يدم طويلاً حيث بدأ يتكشف مع الوقت زيف هذه المنتجات وخاصة من قبل من اعتاد استخدام الأصلي منها.
إجراءات حكومية
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائية أو أرقام تدلل على كميات البضائع المقلدة التي تدخل إلى الأسواق السورية فان ذلك لا يعني ضآلة هذه المنتجات ونشير هنا إلى أن قانون الجمارك السوري يعتبر البضائع المقلدة بمثابة المهربة.
وكانت الحكومة السورية أصدرت مجموعة من القوانين والقرارات للحد من هذه الظاهرة ومنها - حسب المهندس جميل أسعد مدير حماية الملكية في وزارة الاقتصاد - القانون رقم 8 لعام 2007 المتعلق بحماية الملكية الفكرية والذي نظم أحكام العلامات الفارقة والرسوم والنماذج الصناعية وعمل وكلاء تسجيل حقوق الملكية الفكرية والحماية من المنافسة غير المشروعة وأقيمت دورات لتأهيل الكوادر في مجال الضابطة العدلية، ويشير أسعد إلى أنه في حال وجود شكوى نظامية بشأن منتجات تحمل أسماء لماركات عالمية بينما هي في الواقع مزورة تقوم الضابطة العدلية بالتحقيق بأمر المخالفة وتقوم بتنظيم الضبط التمويني اللازم بحق المخالف وإحالة الموضوع إلى القضاء للبت في حيثياته وإصدار الأحكام المناسبة وفق الأصول.
وأشار أسعد إلى أن هذه الإجراءات إضافة إلى حملات التوعية التي تقوم بها مديرية حماية الملكية تساهم في التقليل من حالات التعدي والتجاوزات على علامات الغير مبيناً أن هناك نحو 120ألف علامة تجارية محمية بموجب القوانين في سورية.
وأخرى شعبية
من جهته أوضح عدنان دخاخني رئيس جمعية حماية المستهلك أن الجمعية ترصد ما يحصل في الأسواق باعتبارها سلطة رقابة شعبية أهلية ترصد الخلل وترفعه إلى الجهات الرسمية عبر مكاتب ارتباط لها في عدد من الوزارات المختصة أنشئت لمتابعة شكاوى المواطنين وخاصة في المجالات التي تشكل خطراً على صحته وسلامته وأمواله وغيرها وإرشاد المستهلك و توعيته بحقوقه ومسؤولياته ورفع ثقافته الاستهلاكية وهي تتابع الشكاوى المرفوعة إليها بشأن البضائع المقلدة وما يمكن أن تحدثه من ضرر على المستهلك لأن أغلب هذه البضائع غير جيد ونوعيتها سيئة وغير مراقبة وهي تشكل خطراً على صحة الإنسان.
وأكد أن خطة العمل تشمل التشدد في تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة بقضايا الغش التجاري، كما تشمل مراجعة وتحديث الأنظمة والقوانين الخاصة بقضايا الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية باستمرار، وذلك من خلال إيجاد قنوات اتصال مع الجهات الحكومية المختصة بمكافحة الغش التجاري والتقليد وتزويدهم بالمعلومات الدقيقة عن الممارسين لبيع المنتجات المقلدة والمغشوشة وتفعيل أنشطة حماية المستهلك، إلى جانب بحث الآليات المناسبة في سبيل الحد من انتشار ظاهرة الغش التجاري والتقليد، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة في أساليب مكافحة الغش التجاري وحماية حقوق الملكية الفكرية.
**
الحكومة السورية أصدرت مجموعة من القوانين والقرارات للحد من هذه الظاهرة ومنها - حسب المهندس جميل أسعد مدير حماية الملكية في وزارة الاقتصاد - القانون رقم 8 لعام 2007 المتعلق بحماية الملكية الفكرية والذي نظم أحكام العلامات الفارقة والرسوم والنماذج الصناعية
**
قدر المنتدى العربي الأول لحماية المستهلك من الغش التجاري حجم تجارة السلع المقلدة والمغشوشة في الدول العربية بنحو 70 مليون دولار سنوياً منها بين 9-10 ملايين دولار في دول الخليج وحدها وأشار التقرير إلى أن أغلبية السلع المقلدة تأتي من الصين.