ما يمكن أن نستشفه من هذا التطور هو أن دور سي آي إيه في العالم سيتقلص بنسبة توازي الخفض المزمع إجراؤه على ميزانيتها، ما يعني انخفاض عدد عملائها وجواسيسها حول العالم، وبالتالي انخفاض عدد عمليات الاغتيال والتدخلات التي ستقوم بها ، وكذلك انخفاض كمية المعلومات التي توفرها الوكالة لصانعي القرار الأميركي، والتي تساهم إلى حد بعيد في رسم السياسة الخارجية الأميركية المرفوضة على نحو واسع من قبل شعوب الأرض.
باختصار، الوكالة الأميركية ستعاني من ورطة كبيرة على صعيد عملها وهذا سينعكس مزيدا من الاستقرار والهدوء في العالم، بالنظر للدور الخطير الذي تؤديه الوكالة والذي يتراوح بين إحداث اضطرابات وبث الفوضى والفتن المتنقلة، والقيام باغتيالات وعمليات تصفية، وشن الغارات والحروب..إلخ.
وعلى مبدأ مصائب قوم عند قوم فوائد فإن الولايات المتحدة التي ترزح منذ عام 2008 تحت وطأة أزمة مالية واقتصادية هائلة أورثها إياها عهد بوش البائد مضطرة للتراجع والمراجعة في كثير من الملفات الخارجية، وقد بدأت بذلك بالفعل حيث قامت إدارة أوباما العام الماضي بتقليص عدد قواتها في العراق، وهي تتجه لنقل الملف الأمني في أفغانستان إلى القوات الأفغانية منتصف هذا العام تمهيدا للانسحاب وكل ذلك تحت وطأة الأزمة المالية التي تعصف بأميركا وليس استجابة لرغبات الشعوب.
ولكن في مطلق الأحوال هذا لا يعني أن الاستخبارات الأميركية ستنسحب تماما من مهماتها الخطيرة، بل ستظل تتربص بالدول والشعوب الأخرى بحثا عن المصالح الأميركية، وهذا يفرض عليها أن تغير بعض تكتيكاتها وأساليبها القديمة لتتمكن من المحافظة على وجودها ودورها وسط كم كبير من الأسئلة المطروحة عن مستقبلها.