وهو الاستحقاق القادم لا محالة بغض النظر عن صيرورة الأمور ومهما اعترى المشهد من تقلبات وتطورات ومشاريع استعمارية تصارع الوهم، وما يقابله من هزيمة مدوية لأطراف الإرهاب وأدواته وهذا يدخل ضمن إطار الاستحقاق الأول.
أما الاستحقاق الثاني فهو استحقاق الحل السياسي الذي يفرض ويوجب على أطراف الإرهاب الالتزام بكل الوعود والاتفاقات والتعهدات المبرمة والمعلنة والابتعاد عن الخداع والزيف والمراوغة، لاسيما الالتزام بمخرجات آستنة وسوتشي، ومضمون هذا الاستحقاق ينطبق تنفيذه شكلاً ومضموناً على أطراف الإرهاب والمجموعات والميليشيات الإرهابية المرتبطة بها، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية والنظام التركي اللذان لا يزالان أسيران لطموحاتهما وأطماعهما وأهدافهما الاستعمارية والعدوانية.
ضمن هذا السياق يسير المشهد بخطا ثابتة وفي حقيقة الأمر يظهر الوقت كعامل ضاغط على منظومة الإرهاب وهي التي تحاول قضمه والعبث بهوامشه ومساحاته من أجل زيادة مساحات الابتزاز والاستثمار في كل اتفاق أو تأخير أو تحول من مفصل إلى مفصل، وهذا الأمر أي ضغط عامل الوقت من شأنه أن يسرّع من وتيرة العمل العسكري للجيش العربي السوري حتى القضاء على آخر إرهابي وحتى طرد آخر جندي محتل، وهذا من شأنه أن يدفع باتجاه الحل السياسي في حال توافرت الإرادة السياسية والمصداقية الأخلاقية عند الولايات المتحدة والنظام التركي، وهذا الأمر بحسب المعطيات مشكوك بأمره حتى اللحظة، ولعل تصرفات وسياسات تلك الأطراف تؤكد حقيقة هذا الأمر.
فالولايات المتحدة الأميركية لا تزال تدعم مرتزقتها على الأرض لاسيما ميليشيا قسد الإرهابية التي لا تزال بدورها ترتكب المجازر بحق المدنيين القاطنين في المناطق التي تسيطر عليها، كما تواصل واشنطن عدوانها السافر على الأراضي السورية بذريعة محاربة التنظيمات الإرهابية، وبالتالي فهي تواصل محاولاتها اللعب على حبال احتيالها بحراك عسكري مشبوه في سورية لإعادة تموضع احتلالي مفضوح أكدته الفبركات والازدواجية المعلنة حول إبقاء قواتها المحتلة في سورية، مرتكبة في الوقت ذاته جرائم حرب طافت من جعبة شرورها التي اتخمتها بكل سبل الوحشية والإجرام للنيل من ثبات الدولة السورية.
أما بالنسبة للنظام التركي فلا يزال ينتهج سياسة الخداع والمراوغة واللعب على كل الحبال ولا يزال يقوم بعدة تصرفات صبيانية تترنح بين التهديد والوعيد بالتصعيد على الأرض أو بالتصعيد مع شريكته في الإرهاب الولايات المتحدة الأميركية في حال لم تستجب لطموحاته بتشكيل ما أشيع على تسميته ( المنطقة الآمنة ) التي تخدم أطماعه وأوهامه، يأتي هذا وقت توسع في الخلاف بينه وبين الإدارة الأميركية برغم قيام الطرفين بتسيير دوريات مشتركة في منطقة الجزيرة السورية وهذا مردّه إلى عدم وجود الثقة المتبادلة بين الطرفين، حيث بات من المؤكد أن الولايات المتحدة في هذه المرحلة لن تقبل بحرب تعوق مخططاتها في منطقة الجزيرة السورية، وهي بالتالي لن تساعد تركيا في سورية على حساب مصالحها وهي علاقتها مع ميليشيا «قسد» الإرهابية في المرحلة الحالية، ولن تقبل أيضاً بشنّ عملية عسكرية ضمن الجزيرة السورية.
ضمن هذا السياق يرقد المشهد بين استحقاقات الميدان واستحقاقات السياسة، في وقت بدأت فيه أطراف الإرهاب بكتابة نهاياتها بحبر الوهم والمشاريع المجهضة، في سباق بدأت خطاه تظهر على الأرض بعد التقدم المتواصل والمطرد للجيش العربي السوري بعد أن حسمت دمشق قرارها باستعادة كل ذرة تراب من أرض سورية والقضاء على كامل منظومة الإرهاب، وبالتالي فإن الحل الوحيد أمام الأطراف الداعمة للإرهاب، وتحديداً الولايات المتحدة والنظام التركي هو بمواجهة الحقيقة ومقاربة الواقع بشكل مسؤول ومنطقي، فالميدان بحوامله وقواعده المتجذرة في عمق المشهد بات أكبر من كل محاولات العبث بعناوينه، لاسيما مع تصدع وانهيار المشروع الأميركي ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة بشكل عام.