وكم منا يمكنه أن يتعظ منها حزينة كانت أم مفرحة، كما ذكريات مقاومة الاحتلال العثماني ثم الفرنسي
يوم حدثنا في ذكرى جلاء الفرنسي عن سورية، ابن أحد مجاهدي الغوطة وما كان من أبيه ورفاقه ضد المحتل الفرنسي، وتَذَكُّرُ مآثر عائلتي الكبرى ضدهم ومرتزقتهم (أهل الريش) جنود السنغال في الجيش العثماني ثم الفرنسي، تملكتني نشوة الفخر.
فخر موصول بما ينجزه جيشنا البطل ضد الإرهاب، على كامل الأرض السورية، رغم تعداد شهداء الوطن، وشهداء عائلتي الذين أوجعوني حدَّ عدم الشعور بالألم، كالشاة المذبوحة التي لا يؤلمها السلخ، حيث توسد الموت لسنوات حياة أهل الوطن.
يوم أرادت أميركا احتلال لبنان بخدعة حماية أهلنا المسيحيين، انتهى وجودهم سريعاً بأعمال فدائية، استهدفت جنودهم، ما استحال معها بقاؤهم.. إلى متى سيطول بقاء القوات الأميركية والتركية على الأراضي السورية؟؟ بوجودها غير الشرعي.
حلم المنطقة الآمنة سراب متجدد، لا أمل منه لسائِرٍ في صحراء، تعهدات ووعود أردوغان كذبة ضاعت في زحمة أحلامه، بقدر ما صرف من دماء الشهداء على يد الإرهابيين، الذين أدخلهم إلى سورية، وعصابات لصوصه الذين سرقوا اقتصادنا.
أما قسد فحكاية أخرى، تشبه في شريط الذكريات أولئك الذين خانوا الوطن، وتعاونوا مع المستعمر الفرنسي لتقسيم سورية، لكن شرفاءها حافظوا على وحدتها وعملوا على تحريرها وتثبيت سيادتها، ومن يحاولون تقسميها اليوم ترأسها أجدادهم لزمن.
الجميع كان يداً واحدة لطرد المحتل الفرنسي، العدو عدو الجميع، ألم يغلبنا أهل المثل بقولهم عدو جدك لن يودَّك، أيتذكره الساعون اليوم للتقسيم الذين يتذررون في بندقية أميركا ويلتحفون بتصريحات ترامب، تغشى عيونهم صورٌ زرعها العدو في أذهانهم.
شريط الذكريات هذا يمر في الزمن غير البعيد حين بدأ الوطن يتعافى من الانقلابات ويحيا الاستقرار، الذي صار أرضاً خصبة لتطوير الوطن وصياغة سورية الحديثة، ما آلم أعداءها، فرموها بموجة حقدهم الأسود، ولدغتها عقاربهم أكثر من تسع سنين
ثلاثاً جاوزت الأربعين كانت مرتعاً عَطِرَاً لشباب الوطن إبداعاً وتميزاً، ولمواطنيه فُسحَة لبنائه وازدهاره على الصعد كافة، وفجأة تكشر الكراهية عن أنيابها، لنتوه في سني ضياع بين مهاجر ومهجَّر وقاتل وقتيل، زحف البؤس والفوضى وتنامى الفقر.
صرنا أصدقاء الوجع، ذبلت أزاهير الوطن، اغتالت الكراهية المحبة، اختبأ الجمال تحت أوراق التقويم، تاهت الأحلام من عيون الأطفال، وصار صوت القذائف مميزاً عندهم، إلى أن صحا الفرح؛ وانتفض مع انتصارات معارك الجيش ودحر الإرهاب.
حفرت أيامنا شريطاً في ذواكرنا بكل تجاعيدها، وطيات الحزن والألم، ونشوة النصر والثبات في الأرض، والتضحية بالروح، حتى أصبحت المقاومة نهجاً، والثبات سُنّة والشهادة مطلباً، والأمل حاجة، وكلها وكليلها مقومات لعبور الدرب نحو مستقبل آمن
هل سيكون الاحتكام في الزمن الآتي لشريط الذكريات، في جزئية حصاد المرارة والسير على الأشواك، أم في القوة السورية الأصيلة التي حسمت وجود الإرهاب، وتلقت الصدمات وتحملت الحصار الأسود، وأنجزت النصر بإرادة وطنية عالية.
سيبقى كل شيء في الذاكرة حاضراً، تنشط كل جزئية فيه حسب الحدث الذي ينهض لأجله، ليكون عبرة، أو لشحذ همم شباب الزمن الآتي، علينا ألا نستهلك في التأمل كثيراً من الزمن، كي لا يبتلعنا تجار الحروب، بائعو الدم ومروجو الحقد والدمار.