هكذا تتكاثر الأفكار السوداء.. ويتضاعف عدد الوسوسات السلبية كلّما تعمّقنا في تأملها.
تبدو فكرة مرعبة أن يقوم فيلسوف بحجم إميل سيوران بتأليف كتابه المعنون «على ذرا اليأس» وهو لم يزل في الثانية والعشرين من العمر.. هو نفسه كان ذكر مرةً: (يعتريني إحساس غريب حين أفكر أنني، في هذا العمر، متخصص في الموت)..
ماذا عن أولئك المتخصصين في الحياة..؟
لعلها أشبه بحالة «تحدٍّ» القيام بذكر أحد المتخصصين في الحياة قبالة من يناقضهم، أي أولئك المتخصصين في الموت..
يمكن تشبيه الأمر بلعبة.. كلما ذكرت سيوران، الجميل على الرغم من بؤسه، جادت ذاكرتي كذلك باستحضار فلسفة أرنست بلوخ، الملقب بفيلسوف الأمل..
وتتوالى أسماء وعناوين لكلا الطرفين والفلسفتين.. لتتصعّد الإيجابية حيناً.. فيما تنوس سلبيات قالوا فيها وذرا بؤس وصمت حياتهم.. ثم تعود لتنقلب معايير اللحظة حيناً آخر.
ما الذي يحدد سمات لحظاتنا المعاشة..؟
وكيف لميزانها أن يميل صوب إحدى الناحيتين منقطعاً عن الأخرى..؟
غالباً ما تكون خلطة يومياتنا معجونة من كلا الأمرين.. الإيجابي والسلبي.. الأمل واليأس.. الحزن والضحك.. وتتخمّر تلك العجينة لتغدو بمكونات مندغمة ومصهورة إلى بعضها.. غير منفصلة التكاوين.. وصولاً إلى حالة تحدث عنها سيوران: «عليّ القول إنني حتى في أعمق لحظات اليأس، كنت قارداً على الضحك.. الضحك ظاهرة عدمية، تماماً كما يمكن للفرح أن يكون حالة مأتمية»..
هل من الضروري، حينها، معرفة الحد الفاصل بين كل تلك المتناقضات..؟
المهم في كل ذلك ألا نتوه عن طريقنا الواصل إلى منمنمات فرحٍ.. مهما تضاءلت في صغرها.. وأن لا ننسى مقولة نيتشه: «إذا حدّقت طويلاً في هاويةٍ ما، فسوف تحدّق فيك..».
lamisali25@yahoo.com