تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


السعودية والبحرين .. وحدة أم احتلال ؟

شؤون سياسية
الاثنين 21-5-2012
عبد الحليم سعود

تحت ذرائع وتبريرات مكشوفة النيات والأهداف وعلى وقع فزاعة ما يسمى «التهديدات التي تواجهها المنطقة» يسوق حكام السعودية مشروعاً جديداً يستهدف ابتلاع دولة البحرين تحت عنوان الاتحاد،

في محاولة منهم لنقل ما يسمى مجلس التعاون الخليجي إلى مرحلة الاتحاد الكامل بناء على المبادرة التي أطلقها العاهل السعودي في القمة الخليجية التي عقدت في كانون أول الماضي، ولكن بحكم الظروف التي تمر بها دولة البحرين هذه الأيام، حيث ينتفض الشعب البحريني منذ عام ونصف العام ضد حكم آل خليفة المفروض والمدعوم من القوى الاستعمارية الغربية، يتحول هذا المشروع برأي الكثيرين إلى مجرد أداة لقمع تطلعات وآمال الشعب البحريني التواق للحرية والإصلاحات، ودمجه في دولة قمعية يهيمن على مقدرات أبنائها نظام ملكي وراثي تنتمي أسرته الحاكمة إلى عصور الجاهلية والانحطاط.‏

من حيث المبدأ، كان من الممكن أن يتم النظر إلى هذا المشروع على أنه مشروع تقدمي وحدوي يصب في مصلحة الأمة العربية، لو لم تكن صاحبته مملكة وراثية تفتقر لأدنى مقومات الدولة حيث لا دستور ولا انتخابات ولا حريات ولا شعب يستفتى في أدنى أمور حياته ومستقبله، ولو لم تكن الدولة المستهدفة بهذا المخطط دولة صغيرة تعيش ظروفاً استثنائية بحكم انتفاضة شعبها ضد حكم الأسرة الواحدة، ولو لم تكن هاتان الدولتان بالأصل ناقصتي السيادة والاستقلال بفعل الوجود الأميركي العسكري على أراضيهما، وقد عودنا «صاحب الجلالة» السعودي على إطلاق المبادرات ذات النكهة الأميركية، والجميع يتذكر له مبادرة السلام التي أعدها له الصحفي الصهيوأميركي توماس فريدمان والتي داستها إسرائيل بجنازير الدبابات منذ اليوم الأول لإعلانها، ولكن «صاحب الجلالة» ما يزال يصر على وضعها على الطاولة رغم كل ما لحق بها من إهانات.‏

وهنا يمكن أن نسجل للسعوديين ومعهم حكام قطر محاولتهم المستميتة للقضاء على مؤسسة الجامعة العربية واستبدالها بمجلس للممالك العربية مستمد من تجربة مجلس التعاون الخليجي، حيث وجهت الدعوة للمغرب والأردن للانضمام لهذا المجلس في الوقت الذي تواطأت هذه الممالك على سورية خلال أزمتها وأبعدتها عن الجامعة من خلال تعليق عضويتها في نشاطات الجامعة تمهيداً لتصفية هذه المؤسسة، وليس هناك من لا يعلم كمية الضرر الذي لحق بالعرب وقضاياهم بعد أن أصبحت سورية بعيدة عن فعاليات ونشاطات الجامعة العربية.‏

باختصار يبدو أن مخطط آل سعود لإلحاق البحرين بمملكتهم تحت عنوان الاتحاد هدفه الرئيس هو الالتفاف على انتفاضة الشعب البحريني وضرب طموحاته المشروعة بالإصلاح والحرية والاستقلال، لأنهم يخافون من انتقال العدوى إلى عقر مملكتهم، وقد بدؤوا بتنفيذ هذا المخطط منذ العام الماضي عندما بدأت قوات ما يسمى «درع الجزيرة» بالزحف نحو البحرين لضرب انتفاضة سلمية، وليس هناك من يجهل اليوم أن هذه القوات تتشكل في أغلبها من قوات سعودية، ولهذا السبب اعتبرها البحرينيون قوات احتلال وطالبوا برحيلها بعد أن سفكت دماءهم وانتهكت أعراضهم وصادرت قرارهم الحر.‏

وعلاوة على ذلك يرى البعض في مشروع الاتحاد المقترح بين السعودية والبحرين محاولة لشرعنة الاحتلال السعودي لدولة البحرين، في حين يرى فيها ملك البحرين المأزوم حبل خلاصه ونجاته من الأزمة التي يعيشها هو ونظامه وهو الذي بارك دعوة السعودية بالقول « إن قيام الاتحاد الخليجي هو مشاركة في الركب الحضاري العالمي واستجابة للمتغيرات والتحديات التي نمر بها، فالحدود السياسية بين دولنا معابر للانجاز نحو مزيد من التعاون المشترك».‏

في المقابل وجد اقتراح الانتقال إلى صيغة الاتحاد بين دول مجلس التعاون الخليجي معارضة مؤدبة من شركاء السعودية في المجلس وخاصة سلطنة عمان التي طالبت بضرورة وضع دراسات مستفيضة لهذه الخطوة وعرض نتائجها على الزعماء للبت فيها، كما تحفظت دولة الإمارات العربية المتحدة وفضلت الكويت الصمت، وفي كل الأحوال تعتبر الوحدة بين أي دولتين عربيتين أمراً مستحبا ويستحق التشجيع، شريطة أن تكون بتراضي الشعبين أولا ومن خلال استفتاء شعبي، وإلا أصبحت انضماماً بالقوة كما جرى في حالة العراق والكويت عام 1990 حيث جر ذلك حرباً مدمرة وتدخلاً خارجيا ما زال العرب يدفع أثمانه الباهظة حتى اليوم، وقيام مثل هذه الوحدة بين السعودية والبحرين في الظروف الحالية سيؤدي إلى تعقيدات كبيرة في المستقبل وقد يؤدي إلى حرب، وقد حذرت المعارضة البحرينية من هذا المخطط وقالت في تعليقها على التسريبات «من حقق الاستقلال في البحرين ليس أسرة آل خليفة إنما الشعب وهو الوحيد الذي يملك حق التصرف والحديث عن الاستقلال وعدمه،إننا نرفض الفكرة للأسباب نفسها التي يرفضها أمير قطر وأمير الكويت وسلطان عمان وشيخ الإمارات».‏

من الواضح أن السعودية التي أرسلت أكثر من ألف جندي إلى البحرين لمنع سقوط النظام أثناء تصاعد أعمال الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح قبل عام وأربعة أشهر تشعر أن النظام مهدد من قبل المعارضة ولهذا تريد من اقتراح الوحدة حماية الأسرة الحاكمة في المنامة.‏

والأهم من ذلك أن المملكة تخشى من انتقال الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات جذرية من بينها المساواة والشفافية والملكية الدستورية إلى المنطقة الشرقية فيها حيث يوجد معارضة منتفضة ضد حكم آل سعود وحقول نفط أساسية.‏

وعموماً يواجه مجلس التعاون الخليجي حزمة من المشاكل وعلى رأسها الخلافات الحدودية بين بعض أعضائه، علاوة على خلافات أخرى حول العملة الخليجية الموحدة ولذلك هو ليس بحاجة إلى إضافة خلافات جديدة تزيده ضعفاً، مثل تلك التي نراها حول مشروع الاتحاد بين السعودية والبحرين، وهو مشروع قد يؤدي إلى حالة من التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة إن لم يكن إلى حرب إقليمية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية