فعلى الرغم من وجود دول إقليمية أكبر مساحة وعدد سكان منها مثل تركيا ومصر, إلا أنها أقل تأثيراً على مجرى التطورات والتحولات السياسية والإقليمية منها منذ اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 فسورية لم يغب دورها الإقليمي في المنطقة طوال فترة جمود وضعف وغياب أي دور مؤثر لدول مثل السعودية ومصر وتركيا في العقود الثلاثة الماضية التي شهدت فيها المنطقة تدمير مكانة ومقدرات العراق التي تراجع دورها الإقليمي بعد الحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت، ثم احتلال العراق نفسها من قبل القوات الأميركية والبريطانية ولذلك يرى بعض القادة العسكريين في اسرائيل أن سيناريو مستقبل المنطقة الذي يرتسم أمامهم بعد التطورات الأخيرة في سورية وإيران يحمل خطورة كبيرة على «إسرائيل» لأنه سيفرض على عدد من الدول العربية خطوطاً حمراء في التعامل مع اسرائيل وسياستها الإقليمية على وجه الخصوص.
ففي أعقاب تزايد الاحتمالات المعلنة حول تخفيض الانشغال الأميركي السياسي والنفطي بالمنطقة لاحظت «إسرائيل» أن هذه التطورات في السياسة الأميركية بعد الانكفاء عن شن حرب على سورية وبعد التوقيع على اتفاق الدول الست مع طهران ستفرض على «إسرائيل» تحديات تجد صعوبة في مواجهتها وحدها، فقد أعلن يوفال ستاينيتس وزير المخابرات الإسرائيلي وهو وزير الشؤون الاستراتيجية أيضاً في مقابلة مع صحيفة معاريف الإسرائيلية أنه لايتوقع التوصل إلى أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة وكان كيري من قبله وبعد اقتناعه بالموقف الإسرائيلي قد أعلن عن إمكانية أن تحمل المفاوضات نتيجة بعد خمسة أشهر.
وهذا يعني أن أولوية «إسرائيل» وواشنطن الآن تتجه نحو رؤية ماسينتج عن اتفاق مؤتمر جنيف مع طهران ومؤتمر جنيف 2 مع سورية لأن هذه القوى المناهضة للسياسة الأميركية والداعمة للمقاومة ضد «إسرائيل» لاتزال تشكل قوة تحسب لها «إسرائيل» حسابات في هذه الظروف بالذات.
ويعترف عدد من المحللين الأميركيين و«الإسرائيليين» أن تجاوز سورية للحرب الداخلية والخارجية التي تعرضت لها تسببت بانتكاسة لكل من شارك فيها من الدول المجاورة، وبمضاعفات سياسية داخلية ستفرض عليها ثمناً سواء في «إسرائيل» أم تركيا أم الأردن ومن الجانب الآخر من المقدر أن تؤدي هذه التطورات واستحقاقها إلى تمتين التحالف القائم بين سورية وايران وكذلك العراق الذي لايجد له مكاناً بين أصدقاء واشنطن ناهيك عن التودد التركي لإيران والعراق انعكاسه على المصلحة السورية.
ويكشف فينيان كانينغ هام الكاتب البريطاني في الموقع الالكتروني (انفورميشين كليرينغ هاوس) طبيعة الدور الإسرائيلي في محاولة تسخير وتوظيف تطورات مايسمى (الربيع العربي) إلى المصلحة الإسرائيلية بدعم أميركي وبريطاني وفرنسي مستشهداً بما أعلنه (مايكيل أورين) السفير الإسرائيلي في واشنطن حين صرح لصحيفة جيروزاليم بوست (لم تشهد إسرائيل طوال 64 عاماً من وجودها تزايداً في الروابط التي تجمع بينها وبين عدد من دول الخليج على مستوى النفوذ الإسرائيلي فإسرائيل وهذه الدول يجمعها اتفاق حول سورية ومصر والفلسطينيين وحول ايران بشكل خاص وهذا ماوفره الربيع العربي لإسرائيل من فرص تعمل على اغتنامها).
وفي الجانب الإسرائيلي يقول (رون بن يشاي) المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت: إن إسرائيل خسرت كثيراً حين لم تتمكن واشنطن من التدخل العسكري المباشر ضد سورية لكنها رغم ذلك كسبت مواقف مشتركة عربية معها ضد سورية وخصوصاً من دول الخليج التي بدت قادرة على التعارض مع السياسة الأميركية تجاه سورية وإيران دون أن تتعارض مع الموقف الإسرائيلي تجاه نفس الدولتين.
ويرى (الياكيم هاعتيصي) من صحيفة معاريف أن إسرائيل لن تخشى الآن من الدعم الذي قد تقدمه دول عربية لدولة عربية تجد نفسها في حرب مع إسرائيل على غرار ماحصل في حرب تشرين عام 1973 فالدول الغنية هي الدول النفطية وهذه الدول لم تقدم دعماً عسكرياً أو مالياً لسورية في حربها ضد إسرائيل منذ عام 1982.
لكن (عاموس يادلين) رئيس المخابرات العسكرية السابق يحذر من سكوت إسرائيل على هذه الضمانات ويكشف أن قدرة إيران وموسكو معاً على دعم سورية والمقاومة لن يؤثر فيها نفوذ دول الخليج ودورهم في السياسة الأميركية، ولذلك تطالب إسرائيل بضرب إيران ومنع أي تخفيض للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.