لقد تجاوز المسؤولون الحديث عن كوارث حرب العراق وانصرفوا عنها للبحث في أمور أخرى وطلبوا منا أن نجعل منهم مثلنا الأعلى, ممجدين ومبرزين الثقة بأنفسهم دونما شعور بالمسؤولية أو الذنب ما جعل الخوف والرعب يكتنفنا وخاصة عندما نرى الثناءات تنهال عليهم بدلا من احالتهم إلى القضاء ليقتص منهم عما اقترفوه من آثام وجرائم.
منذ أمد قصير أثنت الكنيسة الكاثوليكية ومجدت المخادع طوني بلير ورحبت البنوك العملاقة وشركات النفط بكل من جوناثان بول وطوني بلير,وتم تكليف الأخير بالعمل على تحقيق السلام في الشرق الأوسط حيث انبرى لإعطائنا دروسا بالأخلاق.
لا يزال أنصار الحروب متحمسين للغزو الاستعماري ويجاهرون بالقول إن غزو العراق كان أفضل ما حققوه وإن زيادة الجنود كانت في محلها حيث أعطت نتائجها المرجوة ويدعون إن أعداد من قتل من جنودنا ومن جنود الجيش الأميركي أقل من الأعداد المتداولة وأنهم حققوا آمال الشعب العراقي وأصبح الأطفال يلعبون والمحال التجارية مفتوحة للبيع والشراء دون خوف وأن آلاف المهاجرين قد عادوا من الغربة تغمرهم السعادة بما حققناه.
في المنافسة على رئاسة الولايات المتحدة, يشار إلى مكين بأنه المنقذ النبيل لأنه تعهد بالقضاء على الأعداء وعلى كل من يخطط لضرب الولايات المتحدة وقد استمعت مؤخرا إلى مقابلة له في محطة BBC4 فتوصلت إلى نتيجة بأن هذا الرجل سيستخدم ما اكتسبه من خبرة رهيبة في حرب الفيتنام لتطبيقها على ما سيخوضه من حروب في المستقبل.
وأيد كل من هيلاري وبيل كلينتون ضمنيا غزو العراق ولم يعترضا عليها أبدا ويدعيان بأنهما (ليبراليان) فضلا عن أن كل من ورد ذكره آنفا لم يعط أي إشارة إلى معتقل غوانتانامو أو إلى الحيف الذي لحق بالمدنيين العراقيين.
احتج أوباما على الممارسات الأميركية في العراق لكن بصوت خافت ولم يكن ذلك بدافع أخلاقي (على الرغم مما سبق له من بذل الجهد, وإبداء الشجاعة عند تصويته ضد قرار الغزو), في الوقت الذي ساد به الاعتقاد لدى البعض الآخر بأن هجمات 11/9 كانت أكثر عنفا من كل ما قامت به الولايات المتحدة وقوى التحالف, الأمر الذي أفسح المجال لتلك القوات باستمرار ممارسة نذالتهم ومتابعة الفتن والخداع واختراق القوانين الدولية دون وازع من ضمير عما اقترفوه بحق السكان الأبرياء وما أفسدوه في هذا البلد.
لقد تجاوز عدد القتلى العراقيين المليون شخص, ووفقا لرأي المنظمات الدولية المختصة فإن العراق يمر بأزمات إنسانية تعتبر الأخطر والأكبر في العالم, إذ يلاحظ كثافة النزوح الداخلي والخارجي يضاف إليه ما صرح به وزير الصحة العراقي (إن أعداد المصابين بالكوليرا لم يشهد العراق لها مثيلا منذ أربعين عاما, وتفشي الأمراض بين الأطفال وأعمال تفجير التي لم يعرف مرتكبوها) تطول أنحاء البلاد كافة.
من الأمور المخزية ما نلاحظه في الوقت الراهن من تركيز للصحافة البريطانية على القضايا المحلية والأمور الصغيرة, في الوقت الذي تغفل به ذكر الغارات الجوية المتعاقبة على المدن العراقية والتي بلغ عددها 229 غارة في عام 2006 وازدادت لتصبح 1447 غارة في عام ,2007 وتسببت بقتل الكثير من العراقيين. وما يلفت النظر ما صرح به الجنرال ديفيد بترايوس من أن العراق وصل إلى مرحلة العنف المستمر, ذلك يعطينا مدلولا عن الأهداف من دخولنا العراق, إذ عندما يقاتل الشعب بعضه بعضا سينساق إلى حرب أهلية على نطاق واسع ما يمكننا من سرقة النفط والسيطرة على البلاد.
أبدى رئيس هيئة الأركان السابق اللورد غورث وأتباعه حنقهم على غوردن براون الذي تعهد بأن يحصل على موافقة البرلمان قبل الدخول في أي حرب تشنها الحكومة في المستقبل, ما جعل جنرالات الجيش أكثر شراسة خاصة بعد انهيار استراتيجياتنا في العراق وإقرار الخروج من البصرة.
نحمد الله على وجود أشخاص يظهرون الحقيقة, ويوقظون ضميرنا الجماعي أمثال المحامي فيل شنير الذي دعا إلى اجتماع لوقف الحرب في العراق, وفضح الوحشية التي يمارسها جنودنا فيه, وقد ألقى باللائمة على الحكومة البريطانية التي سمحت للجنود بممارسة التعذيب والتنكيل والقتل للمدنيين العراقيين.