والتي وصفها بأنها في مقدمة (الآثام) المرتكبة من قبل روسيا, والتي تهدد كل واحدة منها على حدة وبمجموعها الأمن القومي الأميركي.
أما الجانب العسكري لروسيا والذي بدوره يشكل خطراً محتملاً على الولايات المتحدة, فقد ورد في التقرير, طبعاً, ولكنه يذكر بصوت خافت, وكأن أميركا تخجل من ذكره في ضوء التعزيزات المتواصلة لعضلاتها العسكرية وقدراتها.
يقول التقرير (لقد بدأت الآلة العسكرية الروسية تخرج من فترة فقدان قدراتها, التي بدأت قبل انهيار الاتحاد السوفييتي بسنوات قليلة (أي بعد البيروسترويكا) (المترجم).
ويوصي تقرير (قيصر الاستخبارات) بإبراز قدرة موسكو الاقتصادية المتعاظمة والتي تشكل مصدر قلق لواشنطن.
وبالمناسبة لم يذكر التقرير في نصه ولا مرة واحدة كلمة (الخطر الروسي) بالنسبة للولايات المتحدة, ولا يبدو تقرير ماك كونك مثيراً أو مخيفاً بمعنى ما لأنه لا يتضمن أي شيء جديد.
أو بالأحرى لا يوجد فيه جديد بالنسبة لروسيا, التي تعرضت لتهجمات أشد بكثير في التقرير المماثل الذي قدم من قبل الاستخبارات للكونغرس العام الماضي.
ولهذا بالذات يمكن فهم موقف روسيا من هذا التقرير, حيث كان تعليقها عليه بكلمات محقة تماماً, إذ جاء في تعقيبها حرفياً: (إنه لا داعي للمغالاة في تقييم أهميته) وإن كان (يثير بعض التساؤلات)
وفي الحقيقة ليست هذه هي المرة الأولى التي يوجه فيها الأميركيون اتهامات لروسيا بأنها أخذت تحتل بالتدريج مواقع السيطرة على شبكة توريدات النفط والغاز وطرق نقلها على مساحة تمتد من أوروبا إلى شرقي آسيا.
وإنها تقوم بمحاولات (عدوانية) لفرض سيطرتها على ممرات نقل الطاقة على محور الشرق الغرب, وبنفس الوقت من الصعب وصف كلمات ماك كونك بأنه هجومي, ولاسيما أنه استخدم عبارات مثل أن لديه هواجس أخذت تتملكه (إزاء لجوء روسيا والصين والأوبك إلى أدوات مالية من أجل تحقيق الأهداف السياسية).
وكذلك إشارته إلى ضرورة إعادة الانتباه إلى (زيادة الاستثمارات الروسية في الخارج) ويقصد كونك في ذلك, الاستثمارات الروسية في أوروبا والصين وبالدرجة الأولى في قطاع الطاقة.
وفي نهاية المطاف ليس في ذلك أي جديد بالنسبة لأعمال وسلوك الولايات المتحدة نفسها, ولا يعرف أي بلد من بلدان العالم مثل هذا العدد من الدوائر والأقسام, كما في الوزارات الأساسية الأميركية بدءاً من وزارة الخارجية وانتهاء بالبنتاغون التي يوكل إليها الترويج للسلع والخدمات والأدوات المالية والقيم الثقافية ونمط الحياة الأميركية في جميع البلدان صغيرة كانت أو كبيرة.
بيد أن ذكر روسيا إلى جانب إيران والعراق وكوريا الشمالية لدرجة اتهامها بأنها الشر إلى جانب (القاعدة) كل ذلك لا يعني بالضرورة المساواة فيما بين هذه البلدان والمنظمات جميعها, ولاسيما أنه من المعروف والمألوف أن التقارير التي تقدمها أجهزة الاستخبارات الأميركية دائماً تحتوي على الكثير من المبالغة والمغالطات, وكما يقول أحد الحكماء الانكليز (هناك حين يبدأ السر تظهر بوادر الخداع).
إلا أن اللافت والمميز لهذا التقرير عن التقارير السابقة أنه يصدر في سنة الانتخابات الرئاسية الروسية والأميركية ولابد بهذا الصدد أن نعترف بصعوبة المهمة التي وقعت على عاتق الأدميرال المتقاعد مايكل ماك كونك.
ذلك لأن جهازه وليد مباشر لأحداث أيلول 2001 الصاعقة, وعليه أن ينسق نشاط أكثر من عشرة أجهزة أمنية أميركية أخرى مثل المخابرات المركزية ومكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة الأمن القومي واستخبارات الأسطول والجيش والقوات الجوية وحراسة السواحل ووزارة الطاقة الخ.
وقد اضطر إلى تنفيذ عمل ضخم متعلق بإيجاد القاسم المشترك لتقييمات وآراء الجهات والأجهزة المتنافسة بل والمتنافرة في كثير من الأحيان.
ومن المعروف أن سلفه في هذا المنصب جون نيفروبونتي فشل في هذه المهمة, فأعاده جورج بوش إلى وزارة الخارجية بعد أقل من عامين من الخدمة في مجال الاستخبارات.
لقد كان الجزء الأعظم من عمل ماك كونك, بالطبع, يتصف بالطابع السياسي, ومن السذاجة الاعتقاد بأن المداولات حول التقرير يمكن أن تتطرق إلى أسرار خطيرة.
فليست هذه التقارير سوى أداة أخرى للسياسة الخارجية ولكنها مكسوة (بنقاب سر كاد أن يكشف) و(الهواجس) أسرار تفشيها الاستخبارات, بقدر ما هي تذكير مباشر من جانب الولايات المتحدة بما هي تحبذه وما لا تحبذه ولا تريد أن تراه في الواقع.
وهذا مفيد كمؤشر يساعدنا على معرفة اتجاهات الحركة السياسية ولاسيما الخارجية للولايات المتحدة في اللحظة الراهنة والآفاق المستقبلية لنوعية هذه السياسة.