حيث الظن الغالب في اليقين, يفيد بأن القلوب هذه الأيام منصرفة إلى الخفقان وراء المال والأعمال والفواتير. وآخر الشهر.
إلا أنه ظن كاذب, وفي غير محله, فالأعاجيب العاطفية هي من بنات هذه الأيام , ثم إن الآخرين بمعظمهم في وارد السقوط بضربة الحب الصاعقة من النظرة الأولى.
فيما يشتكي الكثير من رجال هذا الزمن من (انكسار خاطر الحب) تحت وطأة الضغط الحياتي والمادي والواقعي, وتزدهر سوق الأحكام القائلة بأن الحب لم يعد أكثر من مجرد كلمة زائدة في صفحة حشو من رواية يهملها القراء على رصيف الهموم والمشاغل الحقيقيةلإنسان العصر, فثمة بعد من يصر على أن يتمسك بمقولة الحب, بل يبدو عنيداً في تمسكه بها, وإيمانه إلى درجة أنه يعمل على إقناعك أن هذا الحب, هو ضربة الصاعقة, التي لا يصمد تحتها أحد.
والمهم أن الحب من النظرة الأولى هو أشد وأكثر جنون العاقلين حدّة وخطورة, إذ كيف لإنسان أن يختار شخصاً يراه للمرة الأولى ليكون شريكه في بناء السعادة, ثم يبدأ بالمراهنة عليه بأنه هو تماماً الذي كان ينقصه والذي كان ينتظره, وهو ما يحتاجه ويبحث عنه, ولا يستطيع العيش من دونه, وهو كامل الأوصاف.
وهناك من يناهض مقولة الحب من النظرة الأولى, بل يشكك بمنطقها, ذلك أن المنطق المباشر يفيد بخطأ هذه المقولة.. ولكن هل قال أحد إن الحب يتمسك بأهداب المنطق?.
المنحازون لجنون الحب من النظرة الأولى يفندون منطقهم يقول مهندحميش:
تلتقي بنصفك الآخر, لايهم أين أوكيف, لكنك تكتشف في لحظة يسيرة كلمعة البرق, أن هذا الماثل أمامك هو كل شيء عندك! هكذا هبط عليك من السماء.
تقول في سرّك: إنه هو أو لا أحد, إذا كنت من المسلمين بالقدر, ستقول إن هذا من صنعه, وإذا كنت من مناصري الإرادة الحرة, فستؤكد أنه خيار ذاتي نابع من حدس, أما إذا كنت من المتحمسين للعلوم,, وخصوصاً ( البيوكيمياء الحيوية) فسترجح مسؤوليتها في بناء الحب بالضربة البيولوجية الكافية.
إذاً وأنت تحلق على متن هذا البساط العاطفي الرائع ستكون مستعداً للقبول بأي تبرير يقال لك, فالأهم من تبرير الحب, هو الحب نفسه.
والأطرف أن اللغة المستخدمة لوصف حالة الحب من النظرة الأولى, تستعير تعابيرها من النار..يقول سميرعيد:في الحب تشتعل نيران الوجدويتأجج الهوى
فالعيون تبتلع نظراتها, ويحترق القلب والمشاعر.. لكن هذا كله لا يسبب أي ألم, يخيل للعاشق أن هذه الريح مختلفة, ورغم أن ما يجري هو فوق المنطق لكنه يراه حقيقياً.
والأخطر في منطق هذا الحب أن العاشق (المصعوق) يتصرف مثل كائن ممسوس, لأن الشغف هو نوع من المس, ويكون عاجزاً عن التفكير قبل التصرف, بمعنى أنه يتصرف, ثم يفكر, كذلك من علامات المشغوف أنه ينام مغناطيسياً تحت تأثير نظرات المعشوق, ويعجز عن التمرد عليها, وتكون سعادته في الارتهان لها, فيتصرف وكأنه خاضع لسلطان المخدّر الذي يعطل إرادته.أماجهادالمصري والذي يناصرعشاق الحب من النظرة الأولى فيراه كالضرب الحميديقول:
الحب من النظرة الأولى بمثابة ضربة حميدة على الرأس لا يضيع فيها الصواب, بل يضيع مفهوم الزمان والمكان وإذا بالذي كان قبل تسع دقائق مجرد وجه بلا معالم محددة, يصبح وجه الحب والحبيب, وهذا يكشف سمة بارزة وأساسية للذي يمكن أن يكون من الجيران أو المعارف, فحتى تحدث أعجوبة النظرة الأولى, ينبغي أن تكون هذه النظرة هي الأولى فعلاً, ولم يسبق أن حصلت من قبل.
وبغض النظر عن هذا المنطق أو غيره من أشكال الحب فإن للحب أعراضاً, يقول برناردشو:( نعرف أننا نحب عندما نبدأ بارتكاب الحماقات) فللحب إشارات تفضحنا وتنبئنا بأننا ابتعدنا عن شاطىء الأمان, وأننا بدأنا( نتنفس تحت الماء).فهل أنت واقع في الحب عزيزي آدم?