الذين أحرجتهم الاعترافات الواردة في محاضر تحقيق الشرطة القضائية, والتي حملت جميعها عنواناً بارزاً, ألا وهو كلمة متعودة, إذ أقرت هذه الفتاة أنها تعودت على الدخول إلى السجن خلسة, لمعاشرة من تزعم أنه زوجها, داخل زنزانته!!.
هذا وفي الوقت الذي تطمح فيه إدارة سجون المغرب وإعادة الإدماج, إلى تزويج سجناء بسجينات للقضاء على الممارسات الشاذة, وتخفيض نسبة الأمراض الجنسية بين النزلاء, ذكرت مراسلة صحيفة الوطن السعودية في المغرب (خديجة الطيب) أنه تم مؤخراً تنظيم حفل زفاف سجين بسجينة هما (محمد قويدر وزهرة أسكور) بعد أن وافقت الإدارة العامة للسجون على عقد قرانهما وسيسمح للزوجين بالخلوة الشرعية مرة كل شهر, حيث سيتمتعان بقضاء يوم كامل معاً..
ومن المنتظر - حسب ذات المصدر- أن تعطي إدارة السجون موافقتها على عقد قران سجينين آخرين هما: (الحباني مبارك بفاطمة بلفقير), حيث ستعمد فيما بعد إلى إعطاء السجناء ذوي السيرة الحسنة, خلوة شرعية مع زوجاتهم, ومكافأة لهم على استقامتهم واحترامهم للقوانين المعمول بها داخل السجن.
ولكم أسوة حسنة
هذا الخبر, شدني للبحث في أهمية تطبيق الخلوة الشرعية كوقاية ورعاية, لنزلاء سجوننا المحلية, بعد أن طبقت في أكثر من بلد عربي (السعودية- الكويت- اليمن- ليبيا- تونس- المغرب- دبي).
وفي الوقت الذي طرقت فيه بداية أنا والزميل يحيى أكثر من باب (وزارة الداخلية والعدل والإدارة العامة للسجون, وجمعية رعاية أسر المساجين). طمعاً في الحصول على معلومة تفيدنا بهذا الشأن , لم نفلح باستثناء معلومة حصلنا عليها عرضاً من مسؤول سابق في إدارة السجون, تؤكد أن بعض السجناء والسجينات, كانوا عرضة لممارسات شاذة, تطرق إليها بعد التقاعد في كتاب.
بين العالم الخارجي والداخلي
تنهض قضبان كما- البرزخ- يفصل بين حياة وموت, فالداخل إليها مفقود والخارج مولود, و إذا ما تجاوزنا المقولة الشعبية الدارجة- (ياما في السجن مظاليم)-نفترض أنه لم يدخل إليه سوى (الخطاؤون). وفي التطبيقات المسلكية الحديثة, لإدارة مصالح السجون, استبدل مفهوم العقاب والتأديب, بأفق إنساني أرحب كالإصلاح والتأهيل, فغدا من التعسف تجريد السجين من كافة حقوقه الإنسانية والمدنية, ومعاملته- كنكرة- في المجتمع تستوجب الإقصاء والتهميش. ما يؤدي حسب دراسات الباحث الاجتماعي (عبد اللطيف طعمة) إلى ردة نسبة 80% من الخارجين لتوهم من السجون, إليها مجدداً, بجرم أكبر من سابقه ربما بسبب عدم قدرتهم على الاندماج والتكليف مع المجتمع الذي ينبذهم.. حتى من حظي منهم بإعفاء من ربع المدة لحسن سلوكه داخل السجن, عاد بعضهم إليه بسبب الوصمة الاجتماعية التي لاحقته (خريج حبوس) .
مروان وسعاد.. طلاق وفراق
المحامي الأستاذ هائل اليوسفي حدثنا عن تورط مروان مع بعض زملائه في جريمة تهريب الذهب والعملات الأجنبية بدافع الاثراء السريع, ليفي بوعود قطعها لعروسه الحسناء سعاد بتأمين الشقة والسيارة, ولكنه سرعان ما وجد يديه مكبلتين بالقيود, وهو في طريقه إلى سجن عدرا المركزي, حيث التقى في السجن بمن سبقوه, وفي السجن لم يجد مروان ما يروي غله, فحكايات المحكومين و الموقوفين تختلف عن حكايته كعريس لم يهنأ بعد بوصال سعاد, وكيف له أن يقضي خمسة عشر عاماً, في هذه المهاجع المزدحمة, لقد وجد مروان أن السجن عالم آخر لا يشبه أي شيء خارج أسواره, فإذا كان المثل يقول: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء, لا يراه إلا المرضى) فالحرية هنا- على حد تعبير الأستاذ هائل تاج على رؤوس الناس, لا يعرفها إلا نزلاء السجون.
ففي هذا العالم الغريب تسود أفكار وتقاليد وتحكم سلوكيات وقيم ليس لها مثيل في الخارج, وعلى النزيل أن يتكيف مع شروط السجن شاء أم أبى.. لهذا بدأ مروان يروض نفسه على أن يسلخ وجوداً وفكراً عن كل ما هو خارج أسوار السجن, وقد وجد أن الكثير من النزلاء سبقوه إلى هذه المعاناة, فمنهم من اجتازها وتأقلم معها, وتحول من اسم يعتز به, إلى مجرد رقم لا معنى له, ومنهم من لم يستطع فذوى وذاب كشمعة على صفيح ساخن, وانتهى أمره إلى مشرحة المشفى الوطني.
ووسط هذا الجو الثقيل, لم يفقد مروان إنسانيته, بل لم يفقد حتى البقية الباقية من أمله في العودة إلى عروسه سعاد, إلى أن سمع ذات يوم حكاية غيرت مجرى تفكيره, تدور حول ندرة وفاء الزوجات, فمن هي التي ستصبر على فراق زوجها خمس عشرة سنة وهي عروس صغيرة, والشرع الحنيف أجاز لها طلب التفريق.
حتى أن أحدهم أفاض أمام مروان في شرح أن الكثيرات من زوجات النزلاء, يمارسن الخيانة, وهن ما زلن في عصمة أزواجهن. وبدأ مروان يسأل نفسه ما الحل?!..
ووصل إلى قناعة إلى أن الحل يكمن في أن يطلقها, فيحفظ ودها وشرفه.. وأصبحت سعاد مطلقة مروان, وبعد سنة .. سنتين.. أربع.. صدر قانون عفو شمل مروان الذي سارع للقاء مطلقته, بعد أن تبين أنها قد تزوجت ورزقت بطفل, ولم يحتمل الانتظار, فاقتحم عليها بيتها ليقول لها: ها أنا يا سعاد قد عدت, وطلب من زوجها أن يطلقها لتعود إليه وحين رفض ظهرت سكين في يد مروان وتقدم بها نحو زوج سعاد ليطعنه...
وهكذا أفضى حرمان مروان من وصال سعاد إلى جريمة غدت أمثولة أحاديث النزلاء في سجن عدرا المركزي.
بس ابن حلال
حدثني القاضي المستشار موفق اليغشي عن جريمة مزدوجة نظر فيها باحدى الدعاوى عندما كان في محكمة الجنايات قال لي: لقد روع السجن مقتل أبي المراجل وهو لقب رجل عتيد محكوم بالمؤبد في جرم الاتجار بالمخدرات, على يد محكوم بالإعدام, وهو فتى حديث السن, دخل الى السجن بانتظار تنفيذ الحكم, بجرم قتل امرأة متزوجة كانت تربطه بها علاقة غير مشروعة, وقد حرضته على قتل زوجها, ليخلو لهما الجو, وخططت ودبرت لذلك مستعملة-عشيقها الغر- كأداة تنفيذ, لتكافئه بين أحضانها, وجثة زوجها الممدة في الصالون, لم تبرد بعد..وفجأة وبلا مقدمات تذكر, خنقها بيديه, ثم قلب قلادة ذهبية كانت ترتديها في عنقها تحمل اسم (الله) على ظهرها, ولما سأله القاضي اليغشي مستغرباً تصرفه-لماذا فعلت ذلك?- أجاب: لأنها خائنة ولا تستحق حمل هذا الاسم. هذا السجين على فداحة جرمه كان يتمتع-حسب تحليلات القاضي- ببقية باقية من المنظومة الأخلاقية والقيمة المجتمعية, التي انهارت فجأة بداخله, وحاول ترميمها بالشعور بالندم, والانتقام ممن دفعته نحو الهاوية. وأما عن الجريمة الأخرى التي ارتكبها في السجن, فقد دفعه إليها مراودة نزيل عتيد فيه عن نفسه, بمثل ما كان يراود المرأة قبيل دخوله إليه عن نفسها, فأراد الثأر لعنفوانه ورجولته بنفسه, فما كان منه إلا ان قتله غير نادم على فعله لانه حسب ما أخبر القاضي هيك وهيك محكوم بالإعدام.
شغب.. وعنف.. وانتحار
سامر خضر.. رئيس قسم الإسعاف في مشفى دمشق حدثنا عن إصابات أحيلت إلى القسم من سجن دمشق المركزي, وسجن النساء,ومراكز الإيواء الاحترازي إثر ابتلاع نزلائها أدوات معدنية (ملاعق- شكالات- مسامير.. دبابيس) أو التشطيب وقطع شرايين اليد بشفرات الحلاقة أو ابتلاع جرعات زائدة من الأدوية, أو حتى المخدرات.
كما أحاط مؤخراً الزميل سلامة دحدل بحادثة انتحار وضع فيها نزيل بسجن نوى حداً لحياته, بشنق نفسه ببنطال منامته داخل الحمامات من جراء تأنيب الضمير بعد ذبح ابنته البالغة من العمر (سنتين) انتقاماً من مطلقته التي تركته..
وأحياناً..لا نجد الأذى يقتصر على جسد النزيل وإنما يمتد.. حسب ما علمنا من الباحث الاجتماعي في سجن دمشق المركزي- ليشمل الآخرين بإحراق البطانيات,وافتعال المشاجرات بين النزلاء ليعم الشغب, ويسود العنف, تنفيساً عن شعور بالإهمال العاطفي, أو الحرمان الجنسي..
معزولون..
وبالعودة إلى نظام السجون السوري, المقر بموجب القرار.. رقم 222/ تاريخ 20/6/,1929 وما تبعه من تعديلات لاحقة بالمرسوم رقم 67 لعام 1965 والمرسوم 1643 لعام ,1970 يؤكد المعنيون أن السجون تتنوع بحسب هذا النظام بين فروع وأقسام مخافر, ويصنف السجناء والموقوفون على أساس التفريق بين الرجال والنساء والأحداث..
والتفريق كذلك بين المحكومين والموقوفين, حسب فئات الجرائم,ومدة الحكم.
إذ توضع المحكومات بجرم دعارة ضمن غرفة خاصة في سجن النساء, كما يوضع المحكومون بمدة أقل من ثلاث سنوات (الجنح) معاً, ويوضع المحكومون بأقل من عشر سنوات مع بعضهم , ومن ثم المحكومين بمدة أكثر من عشر سنوات, وأخيراً المحكومون بالمؤبد.
ونجد نسبة النزلاء بجرم تعاطي المخدرات 15% والاتجار بها بنسبة 5%, بينما تشمل 80% الباقية النزلاء المحكومين بحوادث وقضايا جرمية مختلفة .
تنفس..
بدا لنا سجن دمشق المركزي, جيداً نسبياً من حيث التهوية والضوء, ويحظى السجين (بالتنفس) اليومي من الساعة السابعة والنصف صباحاً, وحتى الواحدة والنصف ظهراً, ومن الساعة الثالثة والنصف ظهراً- بعد الغداء- وحتى التاسعة والنصف مساء.وخلال هذا الوقت يمارس السجين الأنشطة اليومية والرياضة والتسلية, فالسجن مزود بملاعب للكرات (طائرة- سلة- قدم) إضافة لصالة بلياردو ومكتبة كبيرة تستوعب 90 دارساً, وتغطي 10 آلاف عنوان من مختلف العلوم والمعارف.
ويتواصل هذا السجين مع العالم الخارجي, عبر قنوات متاحة - صحف- مذياع- تلفاز في كل مهجع, وكبائن هاتفية عمومية, أضف إلى ذلك الزيارات المتاحة بشكل أسبوعي يقضيها السجين مع أفراد أسرته.
غير أننا لم نجد في نظام الزيارات المعمول به داخل السجن, ما يشير رسمياً, بحظوة أحد السجناء بخلوة شرعية مع زوجته, باستثناء معلومة وردت إلينا من بعض نزلاء سجن حلب المركزي, لم نستطع توثيقها أو تأكيدها, بأن هذه الخلوة تمنح مزاجياً,وبشكل غير رسمي, لمن يعقد قرانه داخل السجن,كمكافأة وتحفيز لتعاونه مستقبلاً مع إدارة السجن وينفي النائب العام في دمشق القاضي مروان اللوجي منح هذه الخلوة رسمياً لنزلاء السجون في دمشق بالنظر لعدم توفر الأماكن الصالحة لممارسة العشرة الزوجية, بما لا يمتهن كرامة وخصوصية الزوجين.
فليس من المعقول أن تحدث هذه الخلوة في غرف الزيارة, أو داخل مشافي السجن, أو في خيمة داخل العنابر- ولا بد من إحداث وحدات (اليوم العائلي) في مبنى مجاور مستقل تماماً عن مبنى السجن بحيث يحظى السجين أو السجينة, بقضاء يوم كامل مع أفراد أسرته كل شهر. وفي الوقت الذي يرى المناهضون لهذا الاجراء ومن بينهم (د. سعاد صالح). تسميناً للإجرام, ومكافأة تمنح للمحكوم في غير محلها, وتحول السجون إلى فنادق خمس نجوم,كما أنها تتعارض مع فلسفة العقوبة كزجر وردع,إذ رفض الفقيه ابن عبد السلام الاقتراح,واعتبر السجين محروما من الحياة المدنية بما فيه حقه كزوج لأنه أساء إليه بجرمه.
نجد على الضفة الأخرى المؤيدين لمنح هذه الخلوة لسجناء ومنهم (د.نصر فريد واصل) باعتبار أن الأمر ليس ترفيها ولا ترفا,وإنما ضرورة وواجب على الدولة,تمنحه لمنع لجوء بعض السجناء للمحظورات,وهذا الإجراء لا يتطلب تشريعا أو حكما قضائيا,ليغدو نافذا,وإنما يكفي تنظيم العملية وإدراجها في لائحة السجون الداخلية بقرار من وزيري الداخلية و العدل,ولا سيما أنه ليس هناك ما يمنع في الشريعة الإسلامية إذ أجاز الإمام مالك حق المسجون في الخلوة الشرعية,باعتبار أن العقوبة في الإسلام-شخصية-ولا تتعدى الجاني إلى زوجته (لا تزر وازرة وزر أخرى..فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها,وما ربك بظلام للعبيد..).
طريق آخر للانحراف..
الباحثون الاجتماعيون وعلماء النفس كالدكتور الهامي عبد العزيز,ومحمد زارع مدير المنظمة العربية للإصلاح الجنائي والخبير في مركز البحوث الاجتماعية والجنائية أحمد المجذوب وجدوا في عدم تطبيق الخلوة الشرعية طريقا آخر للانحراف,وهي بمثابة طوق النجاة إذا ما طبقت لأنها ستحول سلوكيات السجناء نحو الإصلاح فتتيح لهم فرص التوبة بالتواصل الأسري واستمرار الحياة الزوجية وتحصين الزوجات,وتحقيق إنسانية السجين وكرامته,فالسجن لا يعني الحرمان الشامل,وتدميره هو وأسرته.
تفعيل الطب الوقائي بشرعنة الجنس في السجون
أخيرا..يجد المعنيون بالشؤون الصحية ومن بينهم د. حامد أبو عوف,ود.أمل المفتي,ود.سراج وطفة أن في تطبيق الخلوة الشرعية في السجون,أو بمعنى أدق-شرعنة -الجنس داخل السجون بما أحله الشرع وسنة الله ورسوله وقاية صحية ونفسية وجنسية,وتفعيل للطب الوقائي بمواجهة مرض العصر الكاسح (الإيدز).
فقد قدر الدكتور عماد الدقر-مسؤول برنامج الإيدز في اليونيسيف,عدد الإصابات بمرض نقص المناعة المكتسبة الإيدز في عام 2015 بأكثر من 20 مليون مصاب بينهم 10 ملايين في المنطقة العربية.وهذا يحتم فحص كل نزيل فحصا ابتدائيا لوضع التدابير اللازمة للحيلولة دون انتشاره المستفحل خلف القضبان,ودعم البرامج المهنية لامتصاص الطاقة الحيوية عند النزلاء.