|
معرض نعيم اسماعيل في ذكراه ال ...29 الإيقاع الزخرفي في المشهد الريفي الحالم شؤون ثقا فية اقامت صالة عشتار للفنون التشكيلية معرضاً استعادياً , تضمن مجموعة متنوعة من لوحاته (زيتيات, مائيات , دراسات) تجسد نماذج من ابرز مراحله الفنية, وهي من مجموعة اسرته (ابنه ريعان اسماعيل). وعلى الرغم من حياة نعيم اسماعيل القصيرة ( 1930-1979) فقد ابدع مجموعة واسعة من الاعمال , وكان بحق أحد القلائل الذين اعطوا الحركة الفنية السورية والعربية, في الستينات والسبعينات انطلاقة رائدة ومميزة. والمعروف انه ترعرع وسط أجواء مشجعة للفن والأدب , وتميزت اعماله بشاعرية المشهد الريفي القادم من ايحاءات الاحساس المتواصل بالبنى الزخرفية العربية, التي بقيت مطبوعة في مخيلته , وظاهرة في لوحاته حتى لحظة وفاته. فأعماله حملت ملامح زخرفية واضحة, مع المحافظة على ابراز عناصر المشهد الريفي والانساني والمعماري وصولاً الى التجريد الزخرفي. وبدايات النزعة الزخرفية توضحت في لوحاته في العام 1957 , وذلك في المعرض الذي اقامه مع شقيقه ادهم وشارك فيه مروان قصاب باشي, حيث اتجه بمواضيع لوحاته الى ابراز روح الزخرفة العربية, مع المحافظة على اظهار ملامح الاشكال الانسانية والنباتية والحيوانية والمعمارية, ودون ان يكون هناك فواصل أو حدود بين الشكل الطبيعي المبسط وبين التكوين التجريدي الزخرفي . وبذلك قدم عناصر تشكيلية تتعامل مع الزخرفة العربية على انها غير جامدة او ثابتة, وبالتالي يمكن معالجة المشاهد والاشكال من خلالها , حيث ابرز حيوية الزخرفة ومرونتها وقدرتها على ترويض وتوليف التكاوين والعناصر الواقعية المختلفة, وضمن رؤية شرقية وغربية في آن واحد. ولوحاته تؤكد قبل أي شيء آخر, ديمومة العمل الفني, الذي يجسد مختلف أجواء الحياة الشعبية في القرى والأرياف المحلية, حيث لامست يده ومخيلته الأحلام الصافية ومظاهر وتقاليد معرضة للغياب والاندثار . فاللوحة عنده هي بمثابة بانوراما مستعادة من ذكريات العيش في القرية والريف السوري (وهذه العناصر وجدناها في العديد من لوحاته المعروضة هنا ). ولقد امتلك القدرة الابداعية ووصل الى ملامح تشكيلية جديدة, تجاوزت من الأساس المنظور الواقعي التقليدي, وقدمت العناصر المحلية والانسانية المختصرة من منظور فني خاص , مع اعطاء اهمية لعفوية اللمسات اللونية المسكونة في أحيان كثيرة بالتأمل العقلاني الهادئ . وبذلك ابرز الفوارق النغمية الايقاعية للون داخل السياق العقلاني, الذي ينظم المساحة ويحدد الشكل الانساني او الحيواني او المعماري. وهكذا تلعب البنى الزخرفية في لوحاته دورها الأساسي في تحريف الاشكال ونجد في بعض الأحيان مظاهر التركيز على ابراز حركة التضاد بين الالوان الزاهية والمعتمة, وهذا يفيد في اضاءة اللوحة, وفي ايجاد فسحات منيرة داخل مساحاتها القاتمة فاللوحة لم تعد مجرد اطار واقعي تقليدي, بل أصبحت مدخلاً لافكار جمالية خلاقة تتعاطى مع المساحة البيضاء كلون وتكوين ومشاعر. وبذلك حملت لوحات نعيم اسماعيل هواجس ايجاد لغة جديدة, غاصت في مسائل اظهار الجماليات الحديثة, التي تعتمد على اظهار الضربات التلقائىة للون داخل المساحة , وبهذه الطريقة تميز عن شقيقه ادهم, الذي كان يتعاطف مع الاداء العقلاني المقروء في صفاء مساحاته اللونية. وبعبارة أخرى كان نعيم يستخدم الايقاعات اللونية العفوية والاشارات الزخرفية في صياغة المشهد الريفي الحالم, من خلال الحفاظ على جو لوني شاعري وغنائي احياناً, وتأليفات توحي بالهندسي وبالبناء المتماسك , أي انه عمل على تفتيت المساحة اللونية الصافية المتواجدة في الزخرفة التقليدية . كما اهتم بتقديم تكوينات هندسية متداخلة او متجاورة مع الايقاعات اللونية العفوية , كأنه كان يعمل على ايجاد حالة من الموازنة والمواءمة بين الايهامين البصري والعاطفي, وهذا يعني انه في صياغاته الفنية كان يندفع تشكيليا , من مظاهر صياغة التفاصيل, نحو مظهر تحريك الأداء العقلاني الصارم, ليروي حكاية الرغبات والأحاسيس بلمسات متتابعة تبحث عن مدى عاطفي وشاعري يعكس هواجس الارتباط بالقيم الجمالية الحديثة, التي استعاد معها جذور ارتباطه بالماضي الحضاري المستمر في كل الأزمنة والأمكنة.
|