مفارقات الحرب واضحة على الشباب السوري بعد السنوات الخمس.. ففي ساحات الوغى يتلاقى الكثير من شباب بعمر الورد يذودون عن حياض الوطن، ويستميتون من أجل الثغور.. وآخرون في ساحات العمل يشاركون بالجهد والتعب وينحتون بالصخر للحصول على لقمة العيش في أسواق ميتة وأعمال متوقفة وحصار اقتصادي يخنق الجميع من ذوي الدخل المحدود ومن لا دخل له إلا من أجر ساعة عمل واحدة خلال أيام.. يقابلهم شباب يجلسون في المقاهي وفي أيديهم هواتفهم النقالة يديرون الحرب على صفحاتهم الافتراضية كما شاء لهم الهوى..
تعمل فدوى الطالبة في السنة الثالثة للهندسة المدنية مندوبة مبيعات لمواد التجميل ما إن تفتح الباب لها حتى تطربك بسيل من مدائح جمالك لتستعمل مواد التجميل التي تليق بك وتروج لمنتج إحدى الشركات لتحصل على مال يكفيها للدراسة ويقيها ذل العوز..
تعمل صباحاً في وظيفتها المهندسة خنساء ومساء تصنع الاكسسوارات بيدها لتسد عجز الراتب عن الايفاء بكل الأحمال التي سببتها الحرب بعد أن زادت الأسعار أضعافاً مضاعفة للمأكل والملبس والمواصلات كما فواتير الكهرباء والماء والهواتف التي تكسر الظهر..
بين الأولى والثانية مئات الصبايا والشباب يبيعون البضائع المتنوعة على الأرصفة وفي المتاجر سحر ابنة الثانية والعشرين تبيع في متجر للأحذية بعد الاستعلام عن أسعار الأحذية الشتوية التي تتراوح ما بين 13500 - 17500 ل. س سألتها إن كان بإمكانها شراء حذاء لتقضي به الشتاء ضحكت بصمت بلا أي إشارة.. مع أن راتبها طيلة الشهر بدوام يومي لا يتجاوز 16000 ل.س.
ويسعى خالد ليبيع ورود الحب الحمراء في المقاهي والمطاعم.. بينما سامر يبيع المسكة في حافلات النقل الداخلي وبجوار مواقف حافلات السرفيس..
وهناك شباب متطوعون بأعداد كبيرة فعلهم حاضر وأسماؤهم غائبة يعملون بلا مقابل لخدمة المحتاجين والمعوزين من جرحى الحرب في المشافي أو المنازل لا يكلون ولا يتعبون يعطون الضحكة ويرسمون الأمان بلا حدود..
أما رواد المقاهي المداوميون بشكل يومي من أين.. وكيف.. ومن هم..؟ أسئلة تصعب الإجابة عنها، ولماذا يستمرون بالتنظير؟ ينفثون دخان الأرجيلة ويعطون انطباعاً أنهم قادة المجتمع.. حاضرون في مواقع التواصل الاجتماعي يبثون الأفكار المسمومة يتبجحون بارتفاع سعر الصرف، وينشرون صورهم بحفلات أعياد ميلادهم التي تكلف الكثير من مئات الدولارات. وما يثير الاشمئزاز منهم من يقتني أثمن الكلاب التي يكفي طعامها لعائلة وطبابتها تكفي عائلات، يتمخترون وكلابهم في سيارات فارهة ويروضونها صباحاً على أرصفة المدينة.
في ضفة الحياة شباب يقدمون دماءهم لأجل ترميم ندبات الوطن، يحاربون الإرهاب، ويتركون جراحهم بلا مداواة ليستمروا بالدفاع عن أرضهم.. محمد جبولي من حلب، عبد السلام إبراهيم من الحسكة، عمار أحمد من طرطوس ، أحمد حجار من ادلب، باقون على الجبهة منذ سنوات وباق عطاؤهم بحب.
هي الحياة والحرب يتسايران.. ويتدحرج العمر فيها بلا قياس.. شباب يخلقون الحب، وآخرون ينشرون ثقافة العمل، ويزرعون الأمل بعودة الوطن إلى السلام. وآخرون راحلون إلى عالم بلا إحساس بلا مسؤولية.