تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أردوغان بين توريط الناتو والخسران

متابعات سياسية
الأحد 6-12-2015
 بقلم: عبد الرحمن غنيم

لعل كثيراً من الناس في عالمنا لم يستوعبوا السبب الذي جعل أردوغان ينتقل خلال أيام قليلة من التبجّح الى التنصّل والتأسّي في أعقاب طعنة الغدر المبيّتة التي وجهتها طائراته للقاذفة الروسية في الشمال السوري .

إن التفسير الوحيد لهذا السلوك الشاذ الذي تلوّن فيه أردوغان تلوّن الحرباء . وتحوّل من ادّعاء الجبروت الى حالة المسكنة , يتمثل في حقيقة أن الناتو , وعلى رأسه الولايات المتحدة بالطبع , وإن حاول ظاهرياً ألا يضع أردوغان في خانة الخذلان , إلا أنه عملياً أبلغه بالموقف القائل بأنه من غير المسموح له أن يحيل علاقة تركيا مع الناتو الى لعبة صبيان . فإذا أراد أن يلعب وحده , فليذهب هو وإرهابيوه ليقاتلا , ولكن لن يكون لهما في الناتو من نصير أو ظهير . بل إن الناتو قد يضطر الى إسقاط تركيا من عضويته .‏

لقد حاول أردوغان مراراً وتكراراً أن يلعب بورقة توريط الناتو , وأن يتصرّف على أساس الثقة بأن الناتو يقف من ورائه . ولعل هذه اللعبة كانت ملائمة للناتو كل الملاءمة , طالما أن الهدف الذي تسعى إليه واشنطن وتجر الناتو من ورائها لتحقيقه يتمثل في نشر الفوضى فيما تسمى بمنطقة الشرق الأوسط بغية تمكين إسرائيل من التوسع بين الفرات والنيل . ولقد جلب الناتو لبعض الوقت درعه الصاروخية الى داخل الأراضي التركية لتشجيع أردوغان على سياساته العدوانية في نطاق تلك العملية رغم أنه لم يكن عملياً بحاجة الى مثل هذا الغطاء .‏

لقد سعى أردوغان – كما هو معلوم – الى إيجاد ما يزعم أنها منطقة عازلة في الشمال السوري . وحين فشل في إقناع الناتو بتبني مشروع المنطقة العازلة هذه , عمل على تنفيذها واقعياً من خلال أسلوبين :‏

أولهما – العبث في التركيبة السكانية في الشمال السوري لصالح فئة سكانية معينة ظن أنها يمكن أن تتخذ ذريعة .‏

وثانيهما – زرع تنظيمات إرهابية من تركيبة عرقية عنصرية معينة .‏

ولقد برّر تدخله وتلاعبه على هذا النحو بالانحياز لما ادّعى أنها « أخوة الدم ». وتوسّع في استثمار أخوّة الدم هذه , والتي تذكرنا بمنطق النازي هتلر وادّعاءاته عن صفاء العرق الآري الذي ينتسب إليه , فأخذ يجلب الإرهابيين الذين تربطه بهم « أخوة الدم » من دول وسط آسيا ومن الصين لينتظموا في تشكيلات خاصة بهم تحت مسميات عثمانية اختارها لهم . وبحجة نجدة هؤلاء الإرهابيين المزروعين زرعاً شيطانياً كان اعتداؤه على القاذفة الروسية , فقال إنه استهدفها لأنها قصفت « أشقاءه » هؤلاء .‏

هنا , انتقل العبث الأردوغاني عملياً من مستوىً الى مستوىً آخر . فالعبث بالبنية السكانية في سورية , أو إحضار إرهابيين من الأتراك وغير الأتراك لنشر الفوضى فيها , وسواءجمعته معهم أخوة الدم التي يتحدث عنها أو لم تجمعه , تبقى في نظر الناتو , وعلى رأسه أمريكا , خدمة لمخطط نشر الفوضى في المنطقة , أما افتعال الصدام المسلح مع روسيا و وما ينطوي عليه هذا من مخاطر , فشأن آخر مختلف . إن عملاً من هذا النوع قد يعني تغيير هبوب اتجاه الريح كلياً . ومن المؤكد أنه لا يجوز للتابع أردوغان أصلاً أن يقدم عليه , بل إن أيّ دولة عضو في الناتو لا تجرؤ على أن تقدم عليه منفردة دون العودة مسبقاً للحلف , أو دون أن تحصل على موافقة واشنطن الواضحة بشكل مسبق , رغم أن هذه الموافقة لا تكفي عملياً . ومن هنا نستطيع أن نفهم بأن كل محاولات أردوغان اللفظية للتنصّل من فعلته ليس الهدف منها إرضاء روسيا كما يتصور الكثيرون , وإنما يتمثل هذا الهدف في محاولة إرضاء أميركا والناتو . فهو كمن يقول علناً أمام الرئيس الأميركي « توبة ما بقى أعيدها » أو « أخطأت ومنكم السماح » !!.‏

هل يعني هذا أن أردوغان عرف حدّه وسيقف عنده ؟ .‏

ربما كان الجواب بالإيجاب فيما يتعلق بمحاولته توريط الناتو . فأردوغان – ومهما كانت دالته – لا يستطيع أن يقول للناتو : أنا سائر في هذا الطريق فاتبعوني ! . ونظن أنه بات الآن يعي هذا الدرس جيداً . لكن أردوغان بالمقابل بات متورطاً ومورطاً للناتو في أمور لا تقل خطورة .‏

إن أردوغان الآن يتزعم إخوانية الإخوان المسلمين . وهي إخوانية قائمة – وفق ادّعاء أصحابها – على أساس ديني , ولا تتردد في ممارسة الإرهاب كلما وجدت ذلك في مصلحتها . وهذه الإخوانية لها صفة عالمية , ولا تقف حدود انتشارها عند العالم الإسلامي. ووفق حسابات أردوغان فإنه يريد من هذه الإخوانية أن تمكنه من استعادة سلطنة آل عثمان . ونحن نرى في هذه الأيام كيف يسعى أردوغان لتسليح هذه الإخوانية واستثمارها في العديد من البلدان , ومنها سورية واليمن وليبيا ومصر وربما في بلدان أخرى .‏

ولم يكتف أردوغان بإخوانية الإخوان , فتحالف مع جميع التنظيمات الإرهابية التكفيرية , بدءاً من القاعدة ووصولاً الى داعش . وباتت تركيا عملياً مقراً وممرّاً للإرهابيين .‏

الغريب أن أردوغان لم يكتف بإخوانية الدين , سواء مع الإخوان أو مع القاعدة, وإنما ذهب الى إيجاد إخوانية أخرى قائمة على الدم والدين معاً . وبات يطلق عليها اسم « إخوانية الدم » . وهذه الإخوانية تعني أن له حساباته التي قد تتطلب في وقت ما الاصطدام مع إخوانية الإخوان أو إخوانيات القاعدة والحاجة الى تذليلهما لمخططاته الخاصة .‏

إن فكرة « إخوانية الدم » في حدّ ذاتها , قد تفسّر العلاقات القائمة بين أردوغان وبين الكيان الصهيوني والتعاون القائم بينهما في تنفيذ المخطط الأميركي المتعلق بالشرق الأوسط الجديد , إذ إن أردوغان قد يرى في علاقته مع اليهود الأشكيناز ذوي الأصل الخزري ما يمثل « أخوانية دم » بينه وبينهم . وأما وجهات النظر القائلة بأن أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داود أوغلو هما من يهود الدونمه , وأنهما ينشطان على هذا الأساس , فتبقى شكوكاً تحتاج الى الإثبات , لكن سلوك أردوغان العملي في التعامل مع الصهاينة يكفي للدلالة على انحراف نهجه عن مقتضيات الفكر الإسلامي الذي يزعم الانتماء اليه , وإلى إخوانياته . ويبقى أن انتماءهما للإخوانية الماسونية يمكن أن يفسر جملة سلوكهما.‏

إن تعامل أردوغان مع الإخوانيات التي عددناها , بالإضافة الى الارتباط بحلف الناتو , قد يفسّر سلوكه القائم على تهريب الأسلحة الى الإرهابيين في العديد من الاتجاهات , حيث لم يقتصر الأمر على سورية وإنما شمل أقطاراً أخرى مثل ليبيا واليمن. وإذا كانت « إخوانية الدم « تشدّ أردوغان باتجاه آسيا الوسطى والصين , وتثير التساؤل حول أدوار تخريبية يمكن أن يلعبها في تلك المناطق الآسيوية وفي روسيا , فإن الأمر المثير للتساؤل يتمثل في ضبط شاحنة تركية في إيطاليا وهي تحاول تهريب ثمانمائة بندقية الى بلجيكا مصدرها تركيا . فإذا كان العبث الأردوغاني في المنطقة العربية مفهوماً في ضوء المخطط الأميركي الصهيوني الذي يستهدف المنطقة ويوظف أردوغان , فما هي الحسابات التي تجعل أردوغان يتوجه نحو أوروبا أيضاً , بل ونحو أوروبا الغربية ؟.‏

هنا لسنا أمام محاولة من أردوغان لتوريط الناتو في حرب مع روسيا , وإنما أمام تورط أردوغاني في أوروبا نفسها . وقد يحاول أردوغان تبرير هذه الواقعة بأنها ليست استهدافاً لأمن أوروبا , وإنما هي محاولة تهريب أسلحة في صفقة تجارية غير معلنة , وأنه ليس مسؤولاً عنها . ولكن حتى إذا كان الأمر متعلقاً بصفقة تجارية , فإن مثل هذه الصفقات التي جعلت أردوغان شريكاً للإرهابيين في كل أشكال السلب والنهب تكشف عن وجه أردوغان الذي يجمع بين علاقته بالإخوانيات الإرهابيات وعلاقته بالمافيات . ولنتذكر هنا كيف أن علاقة أردوغان بالإرهابيين قد اختلطت بالفعل في عمليات سرقة كبرى للنفط والحبوب والمعامل وكل ما طالته يداه , وأن عائلة أردوغان متورطة معه في مافيا الاتجار بالمسروقات والتعامل مع الإرهابيين .‏

إن هذه الملامح في شخصية أردوغان وفي سلوكه تجعله يمثل خطراً كبيراً على الأمن والسلم الدوليين . ولقد بات العالم الآن يستكشف شخصية أردوغان الفعلية بعد أن كانت ملامح هذه الشخصية وما تمثله من خطر غير بارزة أمام الكثيرين .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية