خلافاً للقانون, بالربا الرضائي والذي غالباًَ ما يزيد بشكل ملحوظ عن الفائدة القانونية, تنامت المصارف العامة عدداً وانتشاراً وحجم عمل, وأخذت طابع التخصص في عملها/ مصرف زراعي - مصرف صناعي - مصرف عقاري - مصرف تجاري 000/ وقد قدمت هذه المصارف العديد من الخدمات للمودعين والمقترضين, وحقق العديد منها أرباحاً كبيرة في حين عانى بعضها, بين الحين والآخر من إشكالات, لاسباب إدارية أو مالية أو غير ذلك, بحيث أن بعضها تكدست الأرصدة المالية لديه, والبعض الآخر تعرض لشبه فقدان كلي لأرصدته, أو عجز لدرجة ما في تلبية حجم الإقراض المطلوب أو تحصيل للقروض الممنوحة, بشكل عام ظهر جلياً ضخامة حجم العمل في هذه المصارف بأنواعها, وأينما توزعت على أراضي القطر, قياساً بحجم العمل اليومي القائم في العديد من الإدارات الخدمية, إذ غالباً ما يقف المراجعون بكثافة لإنهاء معاملاتهم, وجميع المصارف تضطر لإغلاق أبوابها حوالي ساعة من الدوام الصباحي للتحضير لاستقبال المراجعين, وحوالي أكثر من ساعة نهاية الدوام الرسمي لتصنيف وتوثيق عمل النهار الكثيف, ومع ذلك تأكد رسمياً وإعلامياً, وجود مئات المليارات من الليرات السورية لدى المصارف دون استثمار, ووجود كثيرين بقيت طلبات قروضهم في بعض المصارف أشهر عديدة, ولم تتح لهم فرصة الحصول على قرض يطلبونه ويحتاجونه.
لسنوات قليلة مضت أعيد النظر رسمياً بالعمل المصرفي, وتم اتخاذ القرار الرسمي بالسماح للمصارف الخاصة بالعمل, والتي يتنامى عددها عاماً بعد عام, ولكن حتى تاريخه لم يتبد /ظاهرياً/ وجود كثافة عمل في هذه المصارف و ربما يعود ذلك لتراتبية العمل الأكثر نجاحاً ولكن من المؤكد أن ما يبدو من ضعف حركة ملحوظة لا يخلو من إقبال حذر للتعامل معها, ومع ذلك تتوسع رقعة انتشارها في أراضي القطر, ويلاحظ كثافة تمركزها في بعض الأمكنة, والساحة مفتوحة أمامها للمزيد من التنوع والانتشار فقد أوردت الثورة في الصفحة /5/ من عددها رقم /13705/ ليوم 4/9/2008 أن الدكتور أديب ميالة حاكم مصرف سورية المركزي, لا يستبعد افتتاح فروع لمصارف أجنبية في سورية, مؤكداً على أن هذه المسألة ضمن اهتمامات المركزي, ولكن طبقاً لتطوير السوق المصرفي في البلاد, وأن هناك العديد من البنوك الأجنبية التي طلبت افتتاح فروع لها في سورية, بنوك تركية وإيرانية وأوروبية.
رغم النشاط الملحوظ للمصارف العامة الموجودة, المترافق بتنامي عدد وتنوع وانتشار المصارف الخاصة, والتسهيل لقدوم المزيد منها, يبدو أن السلطات الرسمية تطرح جدياً دمج المصارف العامة, وقياساً بالتحجيم والتقزيم الذي عانت منه مؤسسات التجارة الخارجية والشركات الإنشائية... ونتيجة حالات الدمج التي تمت فيها, يكون من حق وواجب المراقب والمتابع أن يقول إن دمج المصارف قد يؤدي على الأغلب إلى اضعاف دورها وتحجيم عملها, وإطلاق العنان للمصارف الخاصة لينمو دورها على حساب ضمور دور المصارف العامة.
أرى أنه إذا اقتضت المصلحة العامة (حقيقة), ضم بعض المصارف, حسب رؤى بعض المنظرين الماليين, تمشياً مع ظروف العمل المصرفي الجديدة, فمن الضرورة الماسة الحفاظ على الدور الرائد للمصارف العامة القائمة, وتنمية هذا الدور بشكل دائم, وبما يوسع من حجم عملها عما كانت عليه, ويؤدي لرفع ثقة المواطن والمؤسسات بها, ويرفع من قيمة ونسبة الإدخارات الاستثمارية عبرها, ومن قيمة ونسبة القروض التي تمنحها, وبتسهيلات مشجعة للقروض الاستثمارية, ومنح هذه المصارف مرونة في العمل بحيث تستطيع أن تمنح أكبر فائدة للمودع وبتراتبية تصاعدية تبعاً لقيمة ومدة المبلغ المودع وأن يتم الإقراض بأقل فائدة مممكنة للمواطن المقترض تبعاً للغرض من القرض ولمواصفات القرض والمقترض, لا أن تنحصر هموم المصارف العامة بالتباري فيما بينها لتحقيق المليارات من الأرباح, وعليها أن تتبارى بالمزيد من الخدمات التي تقدمها للمودع والمقترض, بحيث تجذب جميع الادخارات, لا أن تبقى شريحة من طالبي القروض ممنوعة عنها و لا أن يبقى بعضها حبيس الصناديق المنزلية أو يذهب باتجاه نماذج جديدة لجامعي الأموال من تلبية طلباتها, ومليارات مجمدة دون تحريك, وبمردودية تسمح بتحقيق ريعية قليلة تضمن استمرارية عملها, وخاصة أن الوضع العام للمصارف العامة هو في حالة جيدة فبعضها حقق أرباحاً كبيرة جداً قياساً بأعلى ربح حققته المنشأت العامة الأخرى, والمصرف الصناعي خرج من النكسة التي حلت به قبل عدة سنوات ووصل رصيد السيولة لديه إلى /6/ مليار ليرة سورية لعام /2008/, والمصرف الزراعي يزداد نشاطاً وقد بلغت خطة إقراضه لعام 2008, /10/ مليارات ليرة سورية وبتسهيلات عديدة للمزارعين, ومنها تأجيل العديد من قروضهم عن الأعوام السابقة, دون تحميلهم فوائد التأخير, وسبق أن تم إعفاؤهم من العديد من الأقساط وفي أحيان أخرى من كامل القرض, وعلى الأغلب, من المستبعد أن تنهج المصارف الخاصة هذا النهج المرن مع المقترض, ويجب ألا يغيب عن أذهان أصحاب القرار أن رغبة المواطن وثقته بالقطاع العام ما زالت قوية, وتتجلى هذه الثقة بانشداده الملحوظ لمؤسسات التجارة الداخلية, خاصة أن الإعلام الرسمي يذكر المواطن بها دوماً.
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية