قالوا في رحيله: عمر الدقاق: تتلمذنا على يديه
شؤون ثقا فية الأثنين 13/10/2008 الفقيد العزيز الدكتور عبد الكريم اليافي , ذلك العلم الكبير والعلامة الجليل وأستاذ الجيل , رحل عن دنيانا بعد أن أدى رسالته على خير مايكون الأداء .
حين نعمت سورية العربية بالاستقلال , وبعد أن انقشعت عنها غيوم الحرب العالمية , انقلبت ثكنات الاحتلال إلى جامعة ومدارس لتبدأ نهضة تعليمية مباركة . وكان أن سعد الوطن بعودة نخبة من أبنائه الذين درسوا في بلاد الغرب ونفوسهم مفعمة بالبهجة والأمل وكانوا نواة طيبة لجامعة دمشق ولكلية الآداب الوليدة, وفي طليعتهم أمجد الطرابلسي ونور الدين حاطوم وجميل صليبا وكامل عياد وحافظ الجمالي وفاخر عاقل وعادل العوا وابراهيم الكيلاني وعبد الله عبد الدايم وعبد الكريم اليافي. وبعد سنتين من الألق والعطاء كان لابد لمعظم أولئك الرواد أن يتساقطوا تباعاً في دروب الحياة وفقاً لسنة الكون في البشر. في تلك الفترة المبكرة من حياة الجامعة السورية سعدت مع أقرابي من الطلاب والطالبات بأن نتتلمذ على يدي أستاذنا اليافي في محاضراته الحافلة بكل عميق وطريف . وكنا نعجب كيف يكون بوسع أحد مثل اليافي أن يختزل في نفسه ذلك القدر الوافي من معارف الشرق وعلوم الغرب . حقاً إنه أستاذ جامعي متنوع الجوانب وباحث موسوعي متعدد المواهب , وقلما عرفنا رجلاً مثل عبد الكريم اليافي اجتمعت لديه العلوم البحتة الرياضية والفيزيائية ونحوها إلى جانب العلوم الاجتماعية والإنسانية ومعرفة التراث والتاريخ واللغة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع فضلاً عن بلاغة النثر وبراعة الشعر ورصانة البحث وغزارة العطاء .إننا مدينون لأستاذنا الراحل بكثير مما تلقيناه عنه من المحاضرات ومما أورثنا إياه من البحوث والدراسات والكتب والمقالات , من مثل كتابه الطريف دراسات فنية في الأدب العربي وكتابه الآخر الشموع والقناديل في الشعر العربي وسائر ماكتبه حول علماء السلف والتصوف الإسلامي وأعلام الفكر والأدب وفي الفلسفة الإسلامية والتراث العربي مما يتعذر ذكره ويصعب حصره.... لقد خسر الوطن هذا العلم الكبير كما خسرته مدينة حمص المعطاءة التي أنجبته وأنجبت قبله وبعده الأفذاذ والأنداد مثل سامي الدروبي وحافظ الجمالي ووصفي قرنفلي وعبد المعين ملوحي ورفيق فاخوري ورضا صافي وشاكر الفحام وعبد الله عبد الدايم وأيضاً نظير زيتون ونسيب عريضة وميشال مغربي وعبد المسيح حداد ونصر سمعان .... ويشاء القدر في الوقت نفسه أن يفجع بالراحل الكبير مجمع اللغة العربية وجامعة دمشق واتحاد الكتاب العرب وسائر الأوساط العلمية والتربوية ....لقد ترك الفقيد اليافي بصمات لاتمحى من حياتنا الفكرية والتعليمية بما خلفه لنا من دراسات علمية وبحوث أكاديمية وسائر ماأنجزه من نتاج قيم تحفل به المكتبة العربية المعاصرة, وبالإضافة إلى ذلك بل وفوق ذلك كان عبد الكريم اليافي الإنسان الحق الذي عرف بين طلابه وأصدقائه وسائر عارفيه بتواضعه الجم وطبعه الرقيق وخلقه الرفيع وفضله العميم , وهيهات لمثله أن تعد محاسن أو تحد آفاقه ....رحمه الله بقدر ماعمل وقدم وأفاد وأغنى .....
|