تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الصحافة بين الحرية والمسؤولية

آراء
الأثنين 13/10/2008
أحمد صوان

وضعت الصحافة العربية شعارا لها يتألف من عبارتين فقط هما:»الحرية والمسؤولية« ولا أعتقد أن مؤسسة أو داراً صحفية ناقشت هذين المفهومين على نحو واسع أو على مستوى هيئة

تحريرها بشأن كيفية الاقتناع بهذين المفهومين والسبل التي يمكن اللجوء إليها عند تجسيدهما وبشكل عملي وعبر ممارسة صحفية مهنية حقيقية.‏

الصحفي يطالب بالحرية كجزء مقدس من الدستور والمواثيق والاعراف والقوانين والآخرون يطالبونه بالمسؤولية من أجل ألا ينساق الصحفي في كتاباته وفي مهنته إلى ما يخالف القانون أو إلى ما يضع الشخص أو المؤسسة أو الموضوع مثار الاهتمام في دائرة الشك والتخوين والقدح والذم ..الخ.. ما تتهم به الصحافة والصحفيين من خروقات واختراقات للحرية والمسؤولية.‏

بالاساس إن مفهوم الحرية هو مفهوم نسبي فكل شخص أو وسط أو مجتمع ينظر إليه وفق مقاييس البيئة والواقع والتكوين الانساني والتربوي والقيمي لشرائح وقطاعات هذا المجتمع لكن لا قيود على الحقيقة ولو أنها نسبية أيضا وغير مطلقة بالنسبة للصحفي حين يمارس مهنته متسلحا بالحرية.‏

أما المسؤولية فهي نسبية كذلك وترتبط بدرجة أو مستويات الخطر الذي ينشأ على الشخص أو المجتمع من خلال التلاعب أو تجزئة مفهوم الحرية وما يمكن أن يترتب على ذلك من ازدواجية في الالتزام أو الاقتناع بكل من الحرية والمسؤولية فمسؤولية الصحفي كثيرا ما تكون في غير مكانها حين يرى أن ما لديه من وقائع ومعلومات وربما حقائق تدفعه إلى أن يمارس مهنته وكأنه على قناعة أن يمارس حقا مكتسبا هو »النشر« ما دامت الحقائق ثابتة في ذهنه على الأقل لكن: هل يمكن القول إن التوازن المطلوب في ممارسة الصحفي لمهنته مهما كانت الحقائق دامغة والاثباتات قائمة ومتوفرة هو التوازن ما بين حريته في »النشر« ومسؤوليته القانونية والاخلاقية عن هكذا »نشر« وما انعكاسات ذلك على الصحافة كمهنة رسالة مقدسة ونبيلة وهي رسالة حق بالأساس.‏

أولا علينا التمييز الدقيق بين حرية »النشر« ومعها حرية الكتابة والرسالة المستوحاة والمنشودة من مهنة الصحافة بحيث لا تتحول هذه الحرية إلى فوضى أو كما نقول في الاعلام إلى »تعتيم« و»غمغمة« و»مشاكسة« في غير محلها ومكانها وتوقيتها وتداعياتها وربما مضاعفاتها واضرارها حيث إن استخدام الحد الثاني من السكين يضع اداة الجريمة في حالة جنائية في حين أن المطلوب هو أن تكون »السكين« بحديها اداة للحق والعدل والقيم والفضائل وهنا تكمن المسؤولية النقدية والمهنية والاجتماعية والاخلاقية بالنسبة للصحفي, لكن هذه المسؤولية ومع ممارسة الحرية الصحفية لا تسقط من علٍ ولا تأتي من فراغ لأن تمثلها وادراكها واستيعابها لا يكون إلا عبر كفاءة مهنية وقدرة عالية من الحس الصحفي أو الحدس المهني أيضا كما نطلق عليه في حواراتنا وجلساتنا ومناقشاتنا لمتاعب مهنة البحث عن المتاعب,وبل مهنة البحث عن الانفلات من جزاء القانون الذي لا أحد يسمح بأن يكون بعيدا أو بمنأى عن الجميع كمواطنين دون استثناء ولا أحد يسمح أيضا بأن تكون الحرية مناخا لالغاء القانون أو القفز فوقه وتجاوزه لمجرد أن الصحافة بالمفهوم الاجتماعي الواسع هي رسالة للكشف عما هو مضمر ومخفي ومستور, ولها هدف البحث عن الحقيقة مهما كانت هذه الحقيقة موجعة وربما قاتلة لأن للصحافة دور هام ومركزي أيضا هو تكوين رأي عام يساعد ويساهم في تصويب المسار الحياتي والاجتماعي وفي تحليل الواقع والاحداث بما يضمن للقارىء أو المشاهد أو المستمع المشاركة في صنع قراره على نحو جاد وأفضل وأكثر تأثيرا وهو القرار الوطني أو القومي الذي يضمن الحق والعدل والدور الناجح والحيوي لمتلقي كافة الأجهزة الاعلامية ووسائل الاتصال الجماهيري من تلفاز وإذاعة وصحافة وانترنيت واعلام الكتروني.‏

وما دامت الحرية مرتبطة وبشكل عضوي وكبير بالكفاءة المهنية فإن المسؤولية أيضا لا يمكن التحلي بها إلا على أساس هذه الكفاءة إذ بدونها سيضيع الصحفي ويغرق وعلى الأقل لا يوازن بين المفهومين في ممارسته لمهنته التي لا ينبغي إلا أن تكون مهنة العدل والحق والقانون بمعنى آخر أن الصحفي صاحب الكفاءة المهنية والممتلك لادواته في عمله بممارسته واجبه الصحفي من بحث وتحقيق وتحليل واعادة تركيب ينبغي ألا ينسى أو يتناسى أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتقه وهي أن ما يتاح له من »نشر« لن تكون له انعكاسات ضارة حتى على الفرد في اطاره وبعده وعمقه الاجتماعي وفي علاقاته مع محيطه أو في تهديم وتخريب منشأة أو قطاع من قطاعات الخدمة العامة حتى ولو كانت منشأة خاصة لفرد أو أفراد أو هيئات.‏

إن التلازم الطبيعي والمتساوي بين الحرية والمسؤولية في عمل الصحفي هو وحده الذي يجنبه المهالك والسقوط في الفوضى والديماغوجية وفي حمايته ايضا اتهامات اختراق القانون أو التلاعب به والقفز من فوقه وليس من صمام أمان لمثل هذه الحماية إلا ضمانة وحيدة هي الكفاءة المهنية والقدرة الحقيقية والصائبة في كيفية الدخول أو الخروج من حقول الالغام التي تبدو براقة أمام صحافة يريد صانعوها أن تكون بلا حدود وهذا غير ممكن أبداً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية