ذلك أن الإنترنت نفسه يجسد هذا التحدي المتعدد الإتجاهات, لاسيما فيما يخص مضمون رسائلنا الثقافية (كعرب), أو قيمة تراثنا, وفاعلية مؤسساتنا الثقافية والإعلامية على السواء..
يظهر هذا التحدي جليا في الساحات الإعلامية, بعدما غدا الإنترنت الوسيلة الإعلامية الأكثر شيوعا, والأكثر إتاحة في عموم المجتمعات الإنسانية على اختلافها وخلافاتها, والعرب جزء من هذه المجتمعات, فالإنترنت اليوم هو المادة اليومية التي تستطيع قضم الناس على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم الاجتماعية والعلمية والاقتصادية.. وبل وأكثر من ذلك؟
فثمة آراء وجيهة, يرى أصحابها أن الإنترنت يعمل في المجتمعات الإنسانية - والعربية ليست استثناء - يعمل كمادة مخدرة !!
نذهب إلى هذا الاعتقاد انطلاقا من عدد الأشخاص الذين أصبحوا يعتمدون على الإنترنت وهم يصفون أنفسهم بأنهم يتصرفون بشكل لاإرادي, ويصفون أنفسهم على أنهم مأخوذون ومشدودون إلى الإنترنت..
وبعبارة أخرى, فهم مدمنو إنترنت, وهم بهذا الحال قد أصبحوا كغيرهم من المدمنين, يفتقرون إلى وعي وإدراك خصوصية الإدمان ومخاطره وآثاره النفسية والروحية والاجتماعية والاقتصادية عليهم وعلى أسرهم ومحيطهم الاجتماعي..
إن مثل هذه الشرائح الاجتماعية غير الضيقة, لم تعد ترى نفسها وحياتها, دون وجود الإنترنت بينهم ومعهم, كما لو أنه فرد لامرئي لاتكتمل حياتهم إلا بوجوده داخل غرفهم وجدران بيوتهم..
ويشعر الكثير من داخل هذه الشرائح الاجتماعية, أنهم قد أصبح لديهم علاقات مباشرة مع شخصيات وأفراد يرونها أمامهم على شاشات الكمبيوتر المتنوعة وشاشات أجهزتهم المحمولة, وأصبح لديهم الاعتقاد والظن, أنهم أصبحوا بحاجة يومية إليهم, كبديل مثير للشفقة عن إقامة علاقات إنسانية حقيقية مباشرة مع أفراد وشخصيات حقيقية!
وتبدو خطورة مثل هذه الأوضاع والحالات النفسية والاجتماعية التي أدمنتها هذه الشرائح, من خلال محدودية المواضيع والقضايا التي يتبادلونها فيما بينهم, لاسيما وأن جل اهتمامات هذه الشرائح, هي مايسيطر على الإنترنت ويسطو عليه, ونقصد تلك المواقع اللامحدودة التي اهتمت بموضوعات ضيقة وخطرة في آن واحد, وتأتي موضوعات الجنس والعنف في مقدمتها, إضافة إلى إشاعة (ثقافة) الاستهلاك والشهرة..
ولعلي أنأى بنفسي هنا عن الإدعاء بصحة هذا الرأي بالمطلق, لأن ما يهمني من خلال هذا الطرح هو إثارة الرأي في قضية أصبحت أكثر أهمية الآن, لتكون مادة حوارية ونقاشية, تنتظر الكثير من النقاشات والحوارات على مستويات مختلفة ثقافية واجتماعية من أجل استخلاص الحلول العلمية لمثل هذه الظاهرة التي لايشك أحد بمدى مخاطرها على سلامة البنى الاجتماعية أيا كانت رؤيته لها.
وقد اكتفيت هنا بإثارة بعض وجوه هذه الظاهرة, وجوانب محددة من مخاطرها, على الرغم من تعدد وجوهها, وتعدد جوانبها, لأنني سأعود إلى إثارة القضية من أوجه وجوانب أخرى في أعداد لاحقة.